الخميس 1 مايو 2025 02:13 مـ 3 ذو القعدة 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

د. همام وانج

عبق اللبان علي طريق الحرير:قصة عطر يربط الصين بالعرب

د.همام وانغ قوانغيوان

أستاذ مشارك بجامعة اللغات والثقافة في بكين

مجالات البحث: العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، التبادل الثقافي الصيني العربي

يعد اللبان من أهم السلع التجارية التي تم تداولها عبر طريق الحرير قديماً، حيث كان له دور بارز في تعزيز العلاقات التجارية والثقافية بين الصين والعالم العربي. وقد شكلت تجارة اللبان جزءاً أساسياً من التبادل التجاري بين الحضارتين على مدى قرون عديدة.

اقرأ أيضاً

يعود تاريخ طريق اللبان إلى ما يزيد عن 3000 عام، حيث كانت منطقة ظفار في عُمان المصدر الرئيسي لهذه المادة الثمينة. وقد وصل اللبان إلى الصين لأول مرة في القرن الأول قبل الميلاد، وعُرف آنذاك باسم "شون لو". وهذا ممكن ترجمة صوتية لاسم اللبان الآخر المتداول "كندر" وازدهرت هذه التجارة بشكل خاص خلال عصري أسرتي تانغ وسونغ.

الطرق التجارية المستخدمة في نقل اللبان كانت تنقسم إلى مسارين رئيسيين، حيث اعتمد التجار على الطريق البري الذي يمر عبر طريق الحرير التقليدي، وكذلك الطريق البحري الذي يربط موانئ عُمان بالموانئ الصينية، وعلى رأسها ميناء تشوانتشو الذي كان يمثل محطة رئيسية في هذه التجارة البحرية.

لعب ظهور الإسلام وانتشاره دوراً محورياً في تطور وازدهار تجارة اللبان، حيث ساهمت عدة عوامل رئيسية في هذا النمو. فقد وفر العصر العباسي استقراراً سياسياً ملحوظاً مما سهل حركة التجارة، كما أدى تطور الطب العربي الإسلامي الذي اعتمد على اللبان كعنصر علاجي أساسي إلى زيادة الطلب عليه. الدور النشط الذي لعبه التجار المسلمون في تطوير وتوسيع شبكات التجارة البحرية، مما ساهم في تسهيل نقل اللبان وانتشاره على نطاق أوسع.

كان للتبادل التجاري في اللبان تأثيرات عميقة على المستويين الثقافي والطبي بين الحضارتين الصينية والعربية. فقد أدى دخول اللبان إلى الصين إلى انتقال المعرفة الطبية العربية معه، حيث أصبح جزءاً لا يتجزأ من الطب الصيني التقليدي. وقد ذكرت الكتب الطبية الصينية القديمة مثل "بن تساو قانغ مو" فوائد اللبان في علاج الكدمات وتنشيط الدورة الدموية وتخفيف الالتهابات. واستخدم اللبان في علاج مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك أمراض النساء والأطفال والأمراض الداخلية، حتى أصبح دواءً شائعاً في حياة الناس العاديين خلال عصري سونغ الشمالية والجنوبية.

شهدت الفترة الممتدة من عصر أسرتي تانغ وسونغ إلى عصر أسرة يوان استقراراً كبيراً للتجار العرب والفرس في المدن الساحلية الصينية، حيث أسسوا شبكة تجارية متكاملة. فقد قاموا بإنشاء متاجر متخصصة في بيع العطور والأدوية، خاصة اللبان والمر وغيرها من المنتجات العربية الطبية. كما برز دورهم في نقل المعرفة الطبية العربية إلى الصين، حيث استقر العديد من الأطباء العرب المشهورين مثل لي موها (ربما اسمه العربي محمد) وآيشه(ربما اسمه العربي عيسى) وإلخ ، الذين تركوا إرثاً طبياً مهماً يتمثل في كتب مثل "هاي ياو بن تساو" و"وصفات هوي هوي"(وصفات المسلمين). وسبق للبلاط الإمبراطوري الصيني أن منح بعض هؤلاء التجار مناصب رسمية تقديراً لجهودهم في تطوير التجارة، مما جعلهم يشكلون جسراً ثقافياً حقيقياً بين الحضارتين الصينية والعربية، ساهم في تعزيز التبادل الحضاري والثقافي بين الشعبين.

تقدم تجارة اللبان التاريخية عبر طريق الحرير دروساً قيمة ومهمة لمبادرة "الحزام والطريق" في عصرنا الحاضر. فكما دخلت المنتجات العربية القديمة مثل اللبان إلى المجتمع الصيني وأصبحت جزءاً من حياة الناس اليومية، نجد اليوم المنتجات الصينية تدخل الأسواق العربية وتصبح جزءاً أساسياً من حياة الشعوب العربية. وقد أظهر التاريخ أهمية التوازن في التبادل التجاري، حيث كانت الصين تصدر الحرير والخزف وتستورد اللبان والتوابل، مما ضمن استمرارية التجارة واستقرارها. كما برز التعاون في مجال الطب التقليدي كعامل مهم في تعزيز العلاقات، حيث يجب تشجيع تبادل الخبرات الطبية وتدريب الكوادر المتخصصة في الطب الصيني والعربي، والاهتمام بدراسة النباتات الطبية العربية النادرة. وأخيراً، فإن تعزيز التبادل الثقافي والحضاري بين الجانبين يساهم في تحقيق التنمية المشتركة والازدهار المتبادل، مما يجسد روح التعاون والمنفعة المتبادلة في مبادرة "الحزام والطريق".

تمثل تجارة اللبان نموذجاً تاريخياً للتعاون الناجح بين الصين والعالم العربي، وتقدم دروساً قيمة للعلاقات المعاصرة بين الجانبين. وتؤكد هذه التجربة التاريخية على أهمية التبادل التجاري والثقافي في بناء جسور التواصل بين الشعوب والحضارات.

اللبان الصين العرب التبادل الثقافي الصيني العربي