عماد الدوماني يكتب: تطبيقات “التواصل مع الأموات” عبر الذكاء الاصطناعي كارثة تهدد الشباب الصغير والأسر بوجه عام
شهد العالم في السنة الأخيرة بروز تطبيقات متطورة تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء أفاتار رقمي يصمم شخصية تشبه شخصًا متوفّى؛ في الشكل، الصوت، وحتى طريقة الكلام.
تقوم هذه البرامج على جمع بيانات وصور ومقاطع صوتية ونصوص عن المتوفّى، ثم تُنتج نسخة رقمية تحاكيه، بحيث يمكن للمستخدم التحدث معها كما لو كانت “الراحل” أو الميت حاضرًا مرة أخرى ويعيش معنا على مدار اليوم.
هذه التقنية، رغم أنها تبدو للبعض بابًا للراحة النفسية أو “استعادة الذكريات”، تحمل مخاطر عميقة تتجاوز الجانب التكنولوجي، وتمتد إلى النفس والعقيدة والمجتمع.
الجذور الفكرية
ليست هذه الفكرة وليدة اليوم؛ جذورها تمتد إلى:
1. خيال علمي قديم
•أعمال مثل Black Mirror تناولت فكرة “استنساخ الوعي”.
•روايات وأفلام طرحت سيناريوهات محاكاة الأموات رقميًا.
2. محاولات نفسية لتعويض الفقد
•منذ عقود وعلوم علم النفس تواجه سؤالًا حول: هل من الصحي أن يبقى الإنسان في علاقة مستمرة مع ذكرى الراحل؟
3. نزعة الإنسان لتحدي الحدود الطبيعية والأقدار
•السعي لتمديد “الحضور” بعد الموت ليس جديدًا؛ لكنه اليوم يأخذ شكلًا تقنيًا يحمل وجوهًا خطيرة.
أولًا: الخطورة النفسية
1. تعطيل عملية الحزن الطبيعية
الحزن له مراحل يجب أن تُعاش، ومن أهدافها:
• التقبّل
• إعادة بناء الذات
• الاندماج في الحياة مجددًا
هذه التطبيقات الموجه تصنع التالي:
• تمنع التسليم بالفقد (الرضى بالقضاء)
• تعطل التوازن العاطفي فالخالق يعطي ويأخذ
• تخلق تعلقًا بوهمٍ رقمي وتستدعي علاجا عاجلا
2. خلق اعتماد عاطفي زائف
المستخدم يبدأ باللجوء للأفاتار في كل لحظة حنين أو وجع، ويتكون رابط نفسي يتحول إلى إدمان وجداني.
3. تشويش الهوية والذاكرة
الذكريات يصنعها الإنسان مع الراحل، لكن التطبيق يخلق ذكريات جديدة مزيفة لا حقيقة فيها
→ فيتداخل الحقيقي مع المختلق
→ ويفقد القدرة على التمييز بين الذكرى والخيال
ثانيًا: الخطورة الدينية
دين الإسلام وكذلك معظم والشرائع تتفق على منع:
1. ادعاء التواصل مع الأموات
محاولة استحضار صوت أو مشاعر أو “حضور” المتوفى يُعدّ:
• اعتداء على الغيب والخالق
• تشبهًا بالسحر والروحانيات المحرّمة
• فتح باب للبدع والخرافة
2. تشويش مفهوم المآل الأخروي
إذا صار الإنسان يعتقد أن رحلة ما بعد الموت يمكن “إرجاعها” أو اختراقها تقنيًا، فهذا يشوّه مفهوم:
• الحساب
• البرزخ
• الانقطاع بين الدارين
3. تزييف العلاقة الروحية الشرعية
صلة الرحم للميت تكون بالدعاء والصدقة والترحم،
وليس بإنشاء شخصية وهمية ترد على البشر وتتصرف بصوتهم.
ثالثًا: الخطورة المجتمعية
1. صدمة القيم الأسرية
أفراد الأسرة قد يختلفون:
• من يريد استخدام الأفـاتار
• من يرفض احترامًا للميت
→ ينشأ انقساما داخل البيت الواحد.
2. التجارة بالعاطفة البشرية
شركات التقنية قد تستغل الحزن والاشتياق لجني أرباح:
• اشتراكات شهرية
• ترقية للذكريات
• بيع باقات “عودة الأصوات”
3. إساءة استخدام الذكريات
لو قام شخص بإحياء شخصية متوفى آخر بدون إذن الأسرة:
• قد يشوه سمعته
• يزوّر أقواله
• يخلق حوارات منسوبة إليه ظلمًا
4. التلاعب الاجتماعي والسياسي
في المستقبل، يمكن استغلال هذه التقنية في:
• ترويج أفكار على لسان الموتى
• خلق شهادات مزيفة
• تزييف الدين و التاريخ للبشر
لماذا هذه التقنية تشكّل “منعطفًا خطيرًا”؟
لأنها تلعب في منطقة حساسة جدًا:
“بين الذاكرة والروح”
وتحوّل المشاعر والذكريات إلى مادة قابلة للتحرير والتعديل والتسويق وبالتالي يمكن استغلالها وتوجيهها نحو أهداف خبيثة جدا سأكشف عنها في مقالات قادمة.


