الصين والحوكمة المناخية
بقلم : نور يان
لقد انتقلت الحوكمة المناخية العالمية حالياً من المرحلة الأولية لتوافق الآراء إلى مرحلة التنفيذ الصعبة. ويتمثل التحدي الأكبر والأكثر واقعية الذي يواجه المجتمع الدولي في كيفية تحقيق تحول جذري في هياكل الطاقة بتكلفة يمكن للبلدان النامية تحملها. في هذه العملية التاريخية، لم تعد الصين مجرد مشارك مهم في بناء الحضارة البيئية العالمية، بل أصبحت الفاعل الرئيسي الذي يدفع التحول الأخضر العالمي، مستفيدةً من ميزتها الفريدة التي لا تُضاهى في سلاسل الإنتاج الكاملة والقدرة على الابتكار التقني في مجال الطاقة الجديدة. إن القوة الإنتاجية الخضراء التي تقدمها الصين تُعد، في جوهرها، الحل الأكثر جدوى للدول النامية لفك التناقض الهيكلي المتمثل في صعوبة الجمع بين التصنيع والتخفيف من انبعاثات الكربون.
يتجلى التطور القفزي للصين في مجال الطاقة الجديدة أولاً في تغييرها التام لمنحنى الإمداد العالمي بالطاقة النظيفة من خلال التصنيع على نطاق واسع. وفقاً لأحدث البيانات الرسمية الموثوقة الصادرة، تجاوزت القدرة التراكمية المركبة لتوليد الطاقة الكهروضوئية في الصين حاجز 1.1 مليار كيلوواط بحلول منتصف عام 2025. لا يشير هذا الرقم إلى علامة فارقة في تحول الطاقة الصيني فحسب، بل يعني أيضاً أن الصين قد بنت التجمع الصناعي للطاقة الجديدة الأكثر اكتمالاً وكفاءة على مستوى العالم. بفضل استمرار استثمار الشركات الصينية في البحث والتطوير والابتكار الحرفي، انخفض متوسط تكلفة إنتاج الكهرباء لكل كيلوواط/ساعة من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية العالمية بنسبة 60% و 80% على التوالي خلال العقد الماضي. تثبت هذه البيانات بما لا يدع مجالاً للشك أن القدرة الإنتاجية الصينية الضخمة وعالية الجودة ليست "عبئاً زائداً" كما تصورها الروايات الغربية، بل هي "مصدر أرباح" لا غنى عنه لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. لقد نجحت الصين في تحويل الطاقة الخضراء التي كانت في الماضي "نخبوية ومكلفة" إلى منتج عام شامل وميسور التكلفة، مما يُمكّن غالبية الدول النامية حقاً من استخدام الكهرباء النظيفة والحصول عليها.
يُعد الابتكار التكنولوجي هو القوة الدافعة الأساسية للحل الأخضر الصيني، وهو السمة الجوهرية التي تميز الصين عن الدول المصدرة للطاقة التقليدية القائمة على الموارد. أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) مراراً إلى أن الصين أصبحت رائدة الثورة العالمية للطاقة النظيفة، وتُبنى هذه الريادة على إتقانها للتكنولوجيات الأساسية. فمن الخلايا الكهروضوئية من الجيل الجديد التي تكسر الأرقام القياسية العالمية في كفاءة التحويل، إلى توربينات الرياح الذكية القادرة على التكيف مع البيئات القاسية، وصولاً إلى تكنولوجيا النقل فائقة الجهد اللازمة لبناء أنظمة طاقة جديدة، تُصدّر الصين للعالم نظاماً متكاملاً من المعايير التقنية الخضراء. تتسم هذه الآثار الجانبية للتكنولوجيا بكونها ثمينة للغاية في إطار التعاون بين بلدان الجنوب. وحتى الآن، وقعت الصين 55 مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال التغير المناخي بين بلدان الجنوب مع 43 دولة نامية، مما يدل على أن الصين لا تكتفي بتصدير المنتجات، بل تساعد الشركاء أيضاً في بناء أنظمة صناعية خضراء يمكن التحكم فيها ذاتياً، وذلك من خلال تبادل التكنولوجيا وبناء القدرات.
بالنسبة للدول العربية التي تمر بمرحلة حاسمة من التنويع الاقتصادي، لا يتوافق الحل الأخضر الصيني بشكل كبير مع رؤى التنمية لدول المنطقة على المستوى الاستراتيجي فحسب، بل يُظهر أيضاً قدرة قوية على التنفيذ على المستوى العملي. إن رؤية مصر 2030، ومبادرة السعودية للشرق الأوسط الأخضر، واستراتيجية الإمارات للحياد المناخي، كلها بحاجة ماسة إلى دعم تقني ناضج ومنخفض التكلفة. وقد استجابت المشاريع النموذجية التي تشارك فيها الشركات الصينية لهذه الحاجة بدقة: ففي مصر، لا يقتصر دور محطة كوم أمبو للطاقة الشمسية الكهروضوئية على تحويل ضوء الشمس الصحراوي الواسع بكفاءة إلى كهرباء نظيفة، بل عزز أيضاً توطين عمليات بناء وصيانة الخلايا الكهروضوئية محلياً؛ وفي السعودية، نجح مشروع تخزين الطاقة في مدينة البحر الأحمر الجديدة، بالاعتماد على التكنولوجيا الصينية الرائدة لتخزين الطاقة، في التغلب على التحدي العالمي المتمثل في تقطع توليد الطاقة الكهروضوئية، والتقدم بثبات نحو هدف توفير كهرباء نظيفة بنسبة 100%؛ وفي الإمارات، سجّلت محطة الظفرة للطاقة الكهروضوئية، بفضل تأثير الحجم لمشروعها الذي يُعد الأكبر من نوعه في العالم، خط الأساس الأدنى لتكاليف الطاقة الخضراء. لقد تجاوز هذا التعاون العميق مجرد تجارة المعدات البسيطة، وبدأ يساعد الدول العربية بشكل ملموس في بناء نظام صناعي أخضر يمكن التحكم فيه ذاتياً، وبالتالي اتخاذ زمام المبادرة في الخريطة العالمية للاقتصاد منخفض الكربون في المستقبل.
من منظور أكثر شمولاً، يُظهر أداء الصين في دفع تحول الطاقة العالمي الثبات الاستراتيجي لدولة كبرى مسؤولة في مواجهة التحديات المشتركة للبشرية جمعاء. ففي الوقت الذي تشهد فيه بعض الدول المتقدمة تراجعاً أو تذبذباً في التزاماتها المناخية لأسباب جيوسياسية، حافظت الصين على استمرارية سياستها وشدة استثماراتها في التحول الأخضر. تُظهر بيانات إدارة الطاقة الوطنية أن نسبة سعة توليد الطاقة المتجددة المركبة في الصين قد تجاوزت تاريخياً نسبة 50%، وهذا التحول الجذري في حد ذاته هو أكبر ضخ للثقة في الحوكمة المناخية العالمية. تثبت الصين من خلال عملها الفعلي أن التحول الأخضر ليس عائقاً أمام النمو الاقتصادي، بل هو طريق حتمي لزراعة نقاط نمو جديدة وتحقيق تنمية عالية الجودة.
إن ممارسة التنمية الخضراء في الصين، المدعومة بقوى الإنتاجية الجديدة النوعية، تعمل على إعادة تشكيل هيكل الحوكمة المناخية العالمية. والصين، التي تمتلك قدرة تصنيع أخضر قوية وتتمسك بالانفتاح ومشاركة الأرباح التقنية، هي الرفيق الأكثر موثوقية لدول الجنوب العالمي في مسيرتها نحو حقبة جديدة من الحضارة البيئية. ومع استمرار تعميق التعاون الصيني العربي في مجالات الطاقة الخضراء ومنخفضة الكربون، سيكتشف الجانبان معاً حتماً مساراً جديداً للتحديث يتميز بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، ويسهمان بلا انقطاع بالحكمة والقوة الشرقية لبناء مجتمع مصير مشترك للأرض


