الجمعة 19 ديسمبر 2025 04:55 مـ 28 جمادى آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

مالك السعيد المحامي

مالك السعيد المحامي يكتب: المصريات المتزوجات من أجانب.. رؤية قانونية لحماية حقوق الأمهات والأطفال في النفقة والحضانة والميراث


من المؤكد أن أحكام نفقة الأمهات والأطفال تُعد من أكثر القضايا الأسرية تعقيدًا حين يغادر الأب البلاد للعمل أو الإقامة بالخارج، أو في حالات زواج المصرية من مواطن أجنبي، إذ تتحول النفقة من التزام مباشر يسهل تنفيذه داخل الدولة إلى حق عابر للحدود، تتداخل فيه القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية وآليات التعاون القضائي. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة ملحوظة من دعاوى النفقة المنظورة سنويًا أمام محاكم الأسرة في مصر ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بأطراف مقيمين خارج البلاد، وهو ما يفرض تحديات قانونية وتنفيذية تستدعي حلولًا مؤسسية وتشريعية أكثر تكاملًا.
الإطار القانوني المصري يقر بحق الطفل في النفقة بوصفه حقًا أصيلًا لا يسقط بالتقادم، وتشمل النفقة المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج، وفقًا لقانون الأحوال الشخصية. وتُظهر بيانات المحاكم أن آلاف الأحكام تصدر سنويًا في هذا الشأن، إلا أن معدلات التنفيذ الفعلي تنخفض بشكل ملحوظ عندما يكون المحكوم عليه مقيمًا خارج البلاد، بسبب صعوبات الإعلان القضائي، وتعقيد إجراءات التنفيذ الدولي، وتباين النظم القانونية من دولة إلى أخرى.
وتؤكد التجربة العملية أن المرأة المصرية المتزوجة من مواطن أجنبي، أو من مصري مقيم أو مسافر للعمل بالخارج، تواجه واقعًا قانونيًا واجتماعيًا مركبًا، يتأثر بتداخل القوانين المصرية مع تشريعات دول الإقامة. وينعكس هذا التعقيد مباشرة على حقوقها الشخصية وحقوق أبنائها، سواء فيما يتعلق بالجنسية أو الإقامة أو النفقة أو التعليم والرعاية الصحية. وتشير بيانات رسمية إلى أن أعداد المصريين المقيمين بالخارج تتجاوز عدة ملايين، تمثل الأسر نسبة معتبرة منهم، ما يجعل قضايا الزوجات المصريات بالخارج من القضايا الصامتة ذات الامتداد المجتمعي الواسع.
من الناحية القانونية، كفل القانون المصري، منذ تعديلاته عام 2004، حق الأم المصرية في منح جنسيتها لأبنائها بغض النظر عن جنسية الأب، وهو حق استفاد منه مئات الآلاف من الأطفال خلال العقدين الأخيرين. إلا أن هذا الحق، على أهميته، لا يترجم بالضرورة إلى حماية قانونية كاملة في دول الإقامة، إذ تختلف تشريعات الجنسية من دولة إلى أخرى، وغالبًا ما لا تمنح الجنسية للزوجة الأجنبية أو للأبناء إلا وفق شروط استثنائية صارمة، ما يجعل وضع المرأة المصرية وأطفالها مرتبطًا إلى حد كبير بالمركز القانوني للزوج.
أما الإقامة، فترتبط في أغلب الدول بنظام الكفالة أو تصاريح العمل، وتُمنح الزوجة والأبناء صفة تابعة لوضع الزوج القانوني أو الوظيفي، وهو وضع يتسم بهشاشة نسبية، ويتأثر بتغير الحالة الوظيفية أو الأسرية. وتشير تقارير دولية إلى أن نسبة كبيرة من المقيمين الأجانب حول العالم يعتمدون على أنظمة الإقامة العائلية، ما يعني أن فقدان العمل أو نشوب خلافات أسرية قد يؤدي إلى فقدان الإقامة خلال فترات قصيرة، وهو ما يضع الزوجات المصريات أمام مخاطر الترحيل أو التفكك الأسري أو العودة القسرية دون تسوية قانونية عادلة لأوضاع الأبناء.
اقتصاديًا واجتماعيًا، تعيش نسبة معتبرة من الزوجات المصريات بالخارج خارج مظلة الضمان الاجتماعي الحكومي، حيث تعتمد استفادتهن من التأمين الصحي أو التعليم العام على سياسات كل دولة ونوع الإقامة. وفي كثير من الدول، تتحمل الأسرة كامل تكلفة التعليم الخاص والعلاج الطبي، وهي أعباء مالية قد تمثل نسبة كبيرة من دخل الأسرة السنوي، وفق تقديرات مؤسسات بحثية معنية بشؤون الهجرة والعمالة الوافدة.
وتزداد التحديات تعقيدًا في حالات الطلاق أو الانفصال، إذ تخضع قضايا الحضانة والنفقة وتنفيذ الأحكام لقانون الدولة التي يقع فيها النزاع، وليس بالضرورة للقانون المصري. وتفيد تقارير قنصلية بأن نسبة معتبرة من شكاوى المصريات بالخارج تتعلق بالنفقة أو حضانة الأطفال أو صعوبة تنفيذ الأحكام، خاصة في الحالات التي يفقد فيها الزوج وضعه القانوني أو يغادر دولة الإقامة. وفي هذه الظروف، تمثل الأوراق الرسمية الموثقة، مثل عقود الزواج وشهادات الميلاد واستخراج الجنسية المصرية للأبناء، خط الدفاع الأول لحماية الحقوق.
وفي هذا الإطار، تلعب السفارات والقنصليات المصرية دورًا مهمًا في توثيق المستندات، وتقديم المشورة القانونية، والتدخل الإنساني في الحالات الطارئة، غير أن هذا الدور يظل محدود الأثر ما لم يصاحبه وعي قانوني مسبق لدى المرأة بحقوقها والتزاماتها قبل الزواج وأثناءه. وتشير دراسات اجتماعية إلى أن نسبة كبيرة من الزيجات المختلطة أو زيجات السفر تتم دون استشارة قانونية مسبقة، ما يؤدي لاحقًا إلى نزاعات معقدة يصعب احتواؤها.
وفي ظل هذا الواقع القانوني المتشابك عابر الحدود، برز دور مكاتب قانونية متخصصة في قضايا المصريين بالخارج، من بينها مكتب مالك السعيد للمحاماة والاستشارات القانونية، الذي راكم خبرة عملية ممتدة في ملفات الأحوال الشخصية للمصريات المتزوجات من أجانب أو من مصريين مقيمين بالخارج، سواء فيما يتعلق بإثبات الزواج والطلاق، أو استخراج الأوراق الثبوتية، أو تسوية أوضاع الإقامة والجنسية للأبناء. ويتعامل المكتب، وفق ملفات موثقة، مع عشرات القضايا سنويًا المرتبطة بالنفقة وحضانة الأطفال وتنفيذ الأحكام المصرية خارج البلاد، بالتنسيق مع محامين محليين وشركاء قانونيين في دول مختلفة.
وتعتمد هذه الخبرة على شبكة من الشراكات المهنية تضم مستشارين قانونيين وخبراء توثيق ومكاتب محاماة دولية، بما يسمح بتقديم حلول عملية عابرة للحدود، خاصة في القضايا التي تتطلب توازي الإجراءات بين المحاكم المصرية والجهات القضائية أو الإدارية في دول الإقامة. وتشير تقديرات مهنية إلى أن نسبة كبيرة من النزاعات الأسرية الدولية تفشل بسبب أخطاء إجرائية أو نقص التوثيق، وهو ما يبرز أهمية النهج الوقائي القائم على الاستشارات القانونية المسبقة قبل الزواج أو السفر، وليس فقط عند وقوع النزاع.
كما يضطلع المكتب بدور توعوي غير مباشر من خلال إعداد مذكرات قانونية وأدلة إرشادية مبسطة، توضح حقوق الزوجة المصرية في حالات الزواج المختلط، وآليات حماية الأطفال قانونيًا، وخيارات التقاضي أو التسوية الودية، بما يسهم في الحد من النزاعات الممتدة وتعزيز الاستقرار الأسري.
ختامًا، تبرز الحاجة إلى مقاربة مؤسسية أشمل لحماية حقوق المصريات المتزوجات من أجانب، عبر تعزيز الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالأحوال الشخصية، وتسهيل إجراءات توثيق الزواج والطلاق والنفقة، وتطوير آليات تنفيذ الأحكام العابرة للحدود، إلى جانب إطلاق حملات توعية قانونية تستهدف النساء قبل الزواج وبعده. فالقضية لم تعد فردية أو هامشية، بل باتت شأنًا اجتماعيًا وقانونيًا يرتبط مباشرة باستقرار الأسرة المصرية في الخارج وبحقوق أجيال كاملة من الأبناء.