السبت 15 نوفمبر 2025 09:51 مـ 24 جمادى أول 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

الكاتب الصحفي أحمد صلاح

أحمد صلاح يكتب: رجل بلا قيم.. وامرأة بلا ضمير.. وقانون بلا روح

في زمن تداخلت فيه السوشيال ميديا مع كل تفاصيل حياتنا، تحوّل الخلاف الزوجي من شأن خاص إلى عرض يومي يراقبه الجميع. لم يعد الخطر في الطلاق نفسه، بل في تلك الرغبة المجنونة لفضح الأسرار وتعرية البيوت، وتحويل القانون من وسيلة لتنظيم العلاقات إلى سلاح تُشهره المرأة حينًا، ويستجديه الرجل حينًا آخر، بينما يُستخدم المسكن، والنفقة، والحضانة، والضغط بكل الأساليب كأوراق مساومة لا علاقة لها بالمصلحة الحقيقية للأسرة. لقد صار قانون الأحوال الشخصية، بثغراته التي يعرفها القريب والبعيد، مجرد ساحة أخرى للصراع، يستخدم فيها البعض حق الرؤية كعقاب، والآخر النفقة كابتزاز، ويُستغل السكن ليكون خنجرًا في الخاصرة، وكأن الأبناء مجرد رهائن لا أبرياء تُحطم أرواحهم في صمت.

والجرأة تقتضي أن نقولها بلا تجميل: كثير من الرجال اليوم فقدوا قيمهم قبل أن يفقدوا بيوتهم. رجل يسمح لغضبه أن يقوده بدل عقله، يظن أن القوة في التشدد، وأن الرجولة في كسب الأحكام، وأن الانتصار الحقيقي هو إذلال شريكة حياته لا حماية أبنائه. ورغم أن القانون قد يقف ضده في بعض الحالات، إلا أن هزيمته الحقيقية ليست في المحكمة بل في داخله… حين يتحوّل إلى خصم بدل أن يظل عمود الأسرة.

وفي الجهة المقابلة، هناك نساء يُسئن استخدام القانون حتى يتحول من حماية مستحقة إلى وسيلة صريحة للضغط. امرأة تستقوي بالقانون لتنتصر في معركة شخصية، تستخدم الحضانة سلاحًا، والنفقة ورقة مساومة، وتدفع الأطفال إلى كراهية الأب لتُثبت لنفسها أنها “كسبت”. قد يمنحها القانون اليد العليا، لكنه لا يمنحها ضميرًا، ولا ينبّهها أن انتصارها الورقي قد يتحول إلى هزيمة أخلاقية تدفع ثمنها أجيال كاملة.

أما القانون ذاته، فهو بلا روح. مجرد نصوص جامدة لا تعرف الرحمة ولا تفهم مشاعر الأطفال، ولا تستطيع أن تفرّق بين أمّ حانية وأخرى منتقمة، أو بين أب مسؤول وآخر مهمل. القانون لا يحكم بالنوايا، ولا يعالج صمت الليل حين يبكي طفل جراء بيت مهدوم .
القانون لا يستطيع أن يلزم القلوب بما يجب أن تفعله، بل يكتفي بإلزام الأجساد بما يمكن أن تفعله.

وبين رجل بلا قيم وامرأة بلا ضمير وقانون بلا روح… يسقط الطفل. يسقط وحده، ضحية حرب لا يفهم سببها، وأحكام لا يعرف معناها، وخصومة لا تخصه أصلًا. سيكبر مشروخًا، حائرًا، لا يعرف على أي أساس بُني بيتهم، وما الذي هدمه. وكل هذا لأن رجلًا تمسّك بأنانيته، وامرأة تمسكت بانتقامها، وقانونًا لم يملك قلبًا ليفهم أحدًا.

الحقيقة المؤلمة أن المشكلة ليست في النصوص، بل في النفوس. ولو اجتمعت ألف مادة قانونية فلن تصلح بيتًا انهارت فيه الرحمة. فالرجل الحقيقي لا يحتاج قانونًا ليكون عادلًا، والمرأة النبيلة لا تحتاج قانونًا لتكون رحيمة، والأسرة التي تعرف الله لا تحتاج محكمة لتعرف كيف تبقى.

وحين تعود القيم للرجل، والضمير للمرأة، والرحمة للمنزل… سيصبح القانون مجرد إطار، لا سلاحًا. وستعود الأسرة المصرية كما كانت: بيتًا يبنيه الحب، لا يهدمه العناد… ويُصلحه الضمير، لا تُتقنه الأحكام.