الجمعة 24 أكتوبر 2025 11:57 صـ 2 جمادى أول 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

المرأة والمنوعات

لماذا نشعر أن الوقت يمرّ أسرع كلما تقدمنا في العمر؟

إدراك الزمن.. لغز الإنسان الدائم

كلما كبرنا يومًا، نشعر أن العام يمرّ وكأنه أشهر، وأن الذكريات تتزاحم في أذهاننا دون أن نستوعب متى حدثت.
تلك ليست صدفة، بل ظاهرة حقيقية درستها علوم النفس والإدراك، وتسمى “تسارع إدراك الزمن”.
يعيش الإنسان عمره بين محطات، وكل محطة تبدو أقصر من التي سبقتها، وكأن الزمن يضيق كلما اتسعت خبراتنا.

كيف يختلف إحساس الطفل عن الكبير؟

في طفولتنا، كانت الأيام تبدو طويلة مليئة بالتفاصيل الصغيرة؛ المدرسة، اللعب، انتظار العيد،
أما بعد البلوغ، يصبح كل يوم نسخة متكررة من سابقه تقريبًا، فنشعر أن الأسبوع بأكمله مضى في رمشة عين.
السبب ببساطة أن عقولنا في الطفولة كانت تخزن تجارب جديدة باستمرار، بينما في الكبر تقلّ التجارب الجديدة فيبدو الزمن أسرع.

الدماغ يقيس الوقت من خلال حجم الأحداث الجديدة التي يتعامل معها،
لذلك، فالشخص الذي يعيش تجارب مختلفة دائمًا — سفر، تعلم، لقاءات جديدة — يشعر أن عمره “ممتلئ”،
أما من يعيش نمطًا روتينيًا ثابتًا فيشعر أن العمر يركض من بين يديه.

الذاكرة.. ساعة لا تراها

من المدهش أن ذاكرتنا هي من تحدد إحساسنا بالوقت.
فعندما نسترجع فترة دراسية أو مرحلة عمل، لا نتذكر كل الأيام، بل المواقف الأبرز فقط.
وهذا ما يجعل السنوات الطويلة تبدو قصيرة حين ننظر إلى الوراء.
إننا لا نتذكر الزمن بقدر ما نتذكر التجارب التي ملأته.

ولهذا السبب، ينصح علماء النفس بتسجيل اللحظات المهمة، لا بالأرقام بل بالذكريات،
لأن الإنسان لا يعيش بالسنوات بل بما يحدث فيها.

بين السنين والأيام… أين يقف الإنسان؟

عندما يسأل أحدهم عن عمرك، يجيب بالرقم فقط، دون أن يدرك أن ذلك الرقم لا يمثل سوى الغلاف الخارجي للحياة.
فالعمر الحقيقي يُقاس بكمّ اللحظات التي تُشعرك أنك حي، لا بعدد السنوات التي مضت.

ورغم أن كثيرين يحاولون حساب أعمارهم بدقة عبر حاسبة العمر الذكية لمعرفة كم مرّ من السنوات والأيام،
إلا أن القيمة الحقيقية للعمر ليست في الرقم الذي نبلغه، بل في أثر ما نفعله في تلك السنوات.
الزمن لا يُقاس بالثواني، بل بما نملأ به تلك الثواني من معنى وتجربة وشغف.

كيف نبطئ الزمن دون أن نوقفه؟

قد يبدو الوقت غير قابل للتحكم، لكنه في الحقيقة يتباطأ كلما أضفت لحياتك أحداثًا جديدة.
تعلم شيئًا لم تجربه من قبل، سافر إلى مكان لم تزره، غيّر روتينك المعتاد — وستشعر أن اليوم أصبح أطول.

فالملل هو أسرع طريقة لتسريع العمر، أما التجديد فهو ما يجعل الزمن يمشي بخطى أبطأ.
لا يمكننا إيقاف عقارب الساعة، لكن يمكننا أن نعيش كل لحظة بوعي يجعلها تستحق الذكر.

لماذا نهدر الوقت ونحن نحاول الإمساك به؟

في محاولة الإنسان للسيطرة على الزمن، ابتكر الجداول والمنبهات والتقويمات،
لكنه نادرًا ما يتوقف ليسأل نفسه: هل أعيش وقتي أم أطارده؟
الكثيرون يقضون أعمارهم في الانتظار؛ انتظار فرصة، أو وظيفة، أو حدث ما،
ثم يفاجَأون بأن السنوات مضت وهم في المكان ذاته.
الزمن لا يرحم المتردد، فهو لا ينتظر أحدًا.
وكل يوم نضيّعه في التفكير بدل الفعل، هو يوم ينقص من رصيد الحياة الحقيقي.

العمر ليس سباقًا… بل تجربة

في ثقافة اليوم، يقيس الناس نجاحهم بمقارنة أعمارهم بإنجازات غيرهم،
لكن الحقيقة أن العمر ليس خط نهاية، بل طريق يختلف في طوله وإيقاعه من شخص لآخر.
لا قيمة لمعرفة كم سنة عشت، إن كنت لا تعرف كم مرة شعرت بالدهشة أو الرضا أو الامتنان.
أن تعيش ببطء ووعي، أفضل من أن تلهث في سباق لا نهاية له.
فالأعمار لا تتساوى، حتى لو تشابهت الأرقام.

خاتمة: العمر رحلة لا رقم

حين ننظر إلى الماضي، لا نذكر كم عشنا، بل كيف عشنا.
ولعل أجمل ما في العمر أنه لا يُقاس بالزمن بل بالتجربة.
فمهما اختلفت الطرق والأساليب، سيبقى السؤال الأهم:
هل ملأت سنواتك بما يكفي من لحظات تُحسَب حقًا من عمرك؟