الأربعاء 22 أكتوبر 2025 10:28 مـ 29 ربيع آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

تقارير وقضايا

د . عبير العربي تكتب : سفّاح بدرجة طالب

الكاتبة الصحفية عبير العربي
الكاتبة الصحفية عبير العربي
  • ترك القلم، وحمل المنشار واستبدل الكتب بأشلاء زميله وصاغ مستقبله بيدٍ من دم.
  • ليس المهم أن تفلت من الإعدام بحكم سنّك، لكن الأهم: من ستكون غدًا.
  • وجهك غير مريح ..لا يمكن التعاطف معك، ولا القول إنك ضحية خرابٍ أسري، فأنت، على كل حال، بلطجيّ المزاج والهوى.

كان يمكن أن يكون صباحًا عاديًا... أن يحمل حقيبته المليئة بالكتب، أن يتبادل ضحكةً مع زميلٍ له، أن يفتح دفتره على حلمٍ صغيرٍ بلون الطفولة. كان يمكن أن يخطّ أول سطور حلمه في الغد، أن يبني مستقبله بجهده، ويصنع من كفاحه فخرًا لذاته واعتزازًا بما أنجزت يداه.
لكن شيئًا انكسر في الطريق...على يد عقلٍ غير نظيف، يسكن جسدًا آثمًا، وإن كان عمره ثلاثة عشر عامًا فقط.

هذا الطالب الجاني تسقط عنه حجة التفكك الأسري، فجريمته فاقت حدود العقل، وتم إعدادها بحرفيةٍ تليق بمجرمٍ محترف، ثباته أثناء ارتكاب الجريمة يؤكد انتصاره لفكرته المريضة، ومراوغته جعلت من مسرح الجريمة مشهدًا مكررًا لأربع مرات، وكأننا أمام من يتدرّب على الجريمة لا من يقترفها مصادفة. إنها جريمةٌ تُسقط عنه كل الحجج المنطقية واللامنطقية… إنه مجرم بإرادته، لا بضياع تربيته.

إنه سفّاح بدرجة طالب، ترك القلم الذي كان من المفترض أن يرسم به مستقبله، وحمل منشارًا وشاكوشًا حطّم به عمر زميله وحلمه، بدّل الدرس المستقيم بفكره الشرير، وحوّل شنطة المدرسة إلى نعشٍ متحرّكٍ على ظهره.

كتب أول دروسه بدمٍ حقيقي، وفي لحظةٍ واحدة، أسقط كل القيم التي ظنناها ثابتة، تحوّل من "طالب" إلى "سفّاح"، كأن الحياة تخلّت عن معناها، وكأن المدرسة التي كانت وطنًا للبراءة تحوّلت إلى مسرحٍ مُعدٍّ لجريمةٍ باردة الملامح.

أيُّ يدٍ هذه التي تربّت على الغضب بدل الحنان؟ وأيُّ قلبٍ هذا الذي لم يعرف كيف يهدأ، فانفجر في وجهنا جميعًا؟

ترك القلم وحمل المنشار، واستبدل الكتب بأشلاء زميله، جاء يبحث عن جريمةٍ أشرّ، فصنع لنا جرس إنذارٍ يجب أن ننتبه إليه.

قالوا: "ضحية خرابٍ أسري"، لكن كم من بيتٍ مهتزٍّ أنجب قلبًا سليمًا؟ وكم من روحٍ وجدت طريقها رغم الجراح؟

الخلل هنا أعمق من بيتٍ مكسور، الخلل في أسر تُعلّم أبناءها أن القوة لا تُثبت إلا بالعنف، وأن الغلبة لا تأتي إلا بالغدر.

صاغ مستقبله بيدٍ من دم، ونسي أن الدم لا يُنبت إلا الندم.

ليس المهم أن تفلت من الإعدام بحكم سنّك، لكن الأهم: من ستكون حين تكبر؟
هل ستبقى فيك ملامح إنسانٍ كان يومًا طالبًا؟
أم ستتلاشى تحت ركام الذنب والعار؟

وجهك غير مريح، لا لأن ملامحك قاسية، بل لأننا نرى فيك نفسًا غير سوية، غلفها الشرّ ببرودٍ مريع.
ورغم قبح فعلتك، لن نترك الحلم يتيبّس، ولن نفقد الثقة في الكلمة، ولن نسمح أن يختطف الدم ملامح الغد، فظهر الأبرياء لا يحمل إلا حقيبة المدرسة، وبداخلها كراسات المستقبل، لا جثمان زميلٍ مغدورٍ به.

نحن لا نحاكم قاتلًا فحسب، بل نحاكم مجتمعًا سمح بقتله، وكل من تعاطف مع الجريمة ومرتكبيها، وكل من أضاع فينا دفاتر القلب، وأغلق مدارس الضمير.

إنه زمنٌ يحتاج إلى معلمٍ لا يُلقّن بل يُحب، وإلى أبٍ لا يأمر بل يُصغي، وإلى مجتمع يُعيد تعريف "النجاح" بأنه أن تبقى إنسانًا وسط هذا الضجيج.

ربما أفلت هذا السفّاح اليوم من العقوبة،
لكن ظلّه لن يفلت من السؤال:
كيف ضاعت منك الطفولة بهذه السرعة؟
وكيف صار طالبُ الأمس… سفّاحَ الغد؟.

سفاح الإسماعيلية الصغير