الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 11:13 مـ 21 ربيع آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

ثقافة

حين يكتب الأدب صكّ التسامح.. «الضفة الشرقية للنهر» رواية جديدة عن دار المعارف للأديب الكاتب الدكتور أحمد عمران

صدر حديثًا عن دار المعارف المصرية رواية جديدة بعنوان "الضفة الشرقية للنهر" للكاتب والأديب الدكتور أحمد عمران .. تتناول الرواية واحدة من القضايا التي لا تزال تترك أثرها العميق في بعض المجتمعات، ولا تنفك تبرأ منها حتى تعاود نزفها سيما من دماء الشباب وقود القبلية والعادات التي حاربها الإسلام وأنكرتها الحضارة والإنسانية..هي قضية الثأر والصراعات العائلية والقبلية وما تحمله من نتائج مؤلمة تهدد استقرار الأسر والمجتمعات.
تأتي رواية «الضفة الشرقية للنهر» للأديب والكاتب الدكتور أحمد عمران لتعيد النقاش المجتمعي الدرامي والثقافي إلى الساحة الأدبية المصرية حول واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وعمقًا وتجذرًا في وجدان المجتمع الصعيدي، وهي قضية الثأر وما يتصل بها من صراعات عائلية وقبلية ما تزال تترك آثارها على الاستقرار الاجتماعي والنفسي في عدد من القرى والنجوع. الرواية الصادرة حديثًا عن دار المعارف المصرية تمثل معالجة أدبية وإنسانية لظاهرة متجذرة، يتناولها الكاتب بوعي ثقافي عميق وبعين الصحفي الذي عايش الواقع وقرأ تفاصيله اليومية بين الناس. ومن خلال أحداثها التي تدور في قرى الصعيد، يفتح عمران جراحًا طال إهمالها ليضيء مناطق الظل في حياة بشر يعيشون أسرى دوائر الثأر والعنف، يواجهون المأساة بتقاليد موروثة ترسخ الانتقام وتغيب قيم التسامح والمصالحة
يُوظّف الكاتب خبرته الصحفية والبحثية ليقدم سردًا متماسكًا يرصد تحولات الإنسان حين تتقاطع فيه نوازع الخير والشر والطموح واليأس، فيكشف كيف تتحول الخصومات إلى حواجز تفصل بين الأفراد والعائلات، وكيف تتوارث الأجيال ميراث الدم كأنه قدر لا فكاك منه، حتى تغدو الكراهية عادةً يتوارثها الأبناء كما يتوارثون الأرض. ومن خلال أسلوبه السلس ولغته الهادئة يضع القارئ أمام مرآة تكشف بشاعة العنف وعبث الانتقام، ليصل في النهاية إلى رسالة واضحة مؤداها أن الوقت قد حان لإغلاق صفحة الماضي وإعادة بناء المستقبل على أسس من التسامح والعقل والحكمة
لا يكتفي الكاتب بالسرد الروائي، بل ينفذ إلى عمق البنية النفسية والاجتماعية لمجتمع الصعيد كاشفًا عن جذور الأزمة التي تتشابك فيها القيم العرفية بالتقاليد القبلية، حيث تتحول الأخطاء الصغيرة إلى صراعات دموية طويلة تمتد لسنوات ويُقتل فيها الأبرياء دون ذنب. ويعرض عمران هذه التناقضات من موقع العارف بتركيبة الإنسان الصعيدي الذي يعيش بين نداء الفطرة الإنسانية وضغط الموروث الاجتماعي، في ظل صمت القانون أحيانًا أو عجزه عن التدخل الفاعل لاحتواء المأساة. وفي المقابل، يرسم الكاتب وجوهًا أخرى من أبناء النهر يحاولون مقاومة العنف وتغليب صوت الحياة، مؤمنين بأن العدالة لا تتحقق بالثأر بل بالصفح والاحتكام إلى الضمير
من خلف النص تبرز خبرة الكاتب الأكاديمية والمهنية، فهو الدكتور أحمد عمران حمود، ابن قرية الشورانية بمحافظة سوهاج، أحد أبناء جيل الصحفيين والباحثين الذين جمعوا بين الممارسة الميدانية والدراسة الأكاديمية. تخرج في قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة أسيوط عام 1984، وعمل متدربًا في صحيفة المساء القاهرية، ثم انتقل إلى دار التحرير للطباعة والنشر «الجمهورية» عام 1987 وحتى 1992. عُيّن بعد ذلك بالمركز الصحفي للمراسلين الأجانب بالهيئة العامة للاستعلامات، واستمر في موقعه بوزارة الإعلام حتى عام 2015، متنقلاً بين مواقع العمل الإعلامي حتى شغل درجة كبير إعلاميين. كما عمل مديرًا لتحرير صحيفة «توقيت مصر» التي كانت تصدر عن محافظة الجيزة، وأسهم في تحرير مجلة «آفاق إفريقية» الصادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات. حصل على شهادة الدبلوماسية من المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية عام 1993، ثم على درجتي الماجستير والدكتوراه في دراسات الإعلام من جامعة عين شمس عامي 1998 و2008، ويعمل حاليًا أستاذًا للإعلام بجامعة الثقافة والعلوم بالسادس من أكتوبر
من خلال هذه الخلفية الثرية استطاع الدكتور أحمد عمران أن يصوغ عملًا أدبيًا يجمع بين قوة التوثيق ودفء الإحساس، بين المنهج العلمي ورهافة الحس الإنساني. فهو لا يكتب عن الثأر بوصفه حدثًا اجتماعيًا فحسب، بل بوصفه مرآة تعكس تناقضات النفس البشرية بين رغبتها في العدالة وانجرافها إلى الانتقام. الرواية في جوهرها دعوة إلى مراجعة الذات، وإلى أن يدرك المجتمع أن الموروث إذا تجاوز حدوده تحول إلى عبء يعطل مسيرة التقدم. إنها عمل يكشف مكامن الشر داخل الإنسان لكنه في الوقت ذاته يراهن على قدرة الخير على الانتصار على الشر.
بهذا العمل يضيف الدكتور أحمد عمران لبنة جديدة إلى صرح الأدب الواقعي المصري، مستثمرًا أدوات الصحافة في بناء حبكة تقوم على التفاصيل الدقيقة، وأسلوب السرد في بناء صورة مجتمعية عميقة تتجاوز حدود المكان لتصل إلى عمق التجربة الإنسانية. «الضفة الشرقية للنهر» ليست مجرد رواية عن الصعيد، بل عن الإنسان في صراعه الأزلي بين العدل والانتقام، بين العُرف والضمير، بين الماضي والمستقبل، وهي في مجملها دعوة لأن ينتصر العقل على الغريزة، والحياة على الدم.