الإثنين 13 أكتوبر 2025 02:08 صـ 19 ربيع آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

عرب و عالم

صحيفة: إدارة ترامب تعترف للمرة الأولى بتأثير حملتها ضد الهجرة على الأمن الغذائي والزراعة الأمريكية

المهاجرين
المهاجرين

اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الأولى بأن تشديد سياساتها ضد المهاجرين غير الشرعيين بدأ يضر بالقطاع الزراعي الأمريكي ويهدد استقرار إمدادات الغذاء وارتفاع أسعار السلع الغذائية في البلاد، نتيجة نقص العمالة في المزارع.
وفي وثيقة حكومية حديثة نُشرت في السجل الفيدرالي، حذرت وزارة العمل الأمريكية من أن "التوقف شبه الكامل لتدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة" يهدد استقرار إنتاج الغذاء المحلي وأسعاره بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، مضيفة أنه ما لم تتحرك الوزارة سريعا لتوفير مصدر قانوني ومستقر للعمالة، فإن هذا الخطر سيتفاقم، بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
ويتناقض هذا التحذير مع تصريحات وزيرة الزراعة بروك رولينز، التي قالت إن حملات الترحيل الجماعية ستجعل القوى العاملة الزراعية في البلاد "100% أمريكية"، إذ أكدت وزارة العمل في المقابل أن العمال الأمريكيين لا يرغبون في العمل الزراعي ولا يمتلكون المهارات اللازمة لشغل الوظائف التي تركها المهاجرون غير الشرعيين.
وجاء في بيان الوزارة أن "العمال الأمريكيين المؤهلين والمتاحين لن يتقدموا بأعداد كافية لتلبية احتياجات المزارع"، محذرة من أن سياسات الهجرة الحالية تعرض إمدادات الغذاء للخطر، مشيرة إلى أن العمال الأمريكيين لا يرغبون في أداء الأعمال الزراعية الشاقة.
ويُعد هذا الموقف أول اعتراف رسمي من إدارة ترامب بأن سياساتها الأساسية القائمة على إغلاق الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين تؤدي إلى نقص حاد في العمالة الزراعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي التحذيرات التي كان خبراء الاقتصاد يطلقونها منذ الحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس ترامب.
وأوضحت وزارة العمل في الوثيقة أن القاعدة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في 2 أكتوبر الجاري تمنح المزارعين إمكانية أوسع لتوظيف العمال الأجانب الموسميين عبر برنامج تأشيرات مخصصة، وتسمح بتقليص أجورهم بهدف تجنب اضطراب واسع النطاق في القطاع الزراعي الأمريكي، مضيفة أن الإجراء الجديد من المتوقع أن يخفض تكاليف العمالة الزراعية بنحو 24 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
وقال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية -في بيان عبر البريد الإلكتروني لصحيفة "واشنطن بوست"- إن "ترامب يعزز قوة القوى العاملة الزراعية ويحسن برامج التأشيرات"، موضحا أن "مكتب سياسات الهجرة الجديد في وزارة العمل سيساعد المزارعين على الحصول على العمالة القانونية التي يحتاجونها للنجاح"، مضيفا أن ترامب "يطبق القانون ويعمل على إصلاح البرامج التي يعتمد عليها المزارعون لإنتاج أكثر الإمدادات الغذائية أمانا وإنتاجية في العالم".
ولم ترد وزارة العمل على طلبات التعليق، مشيرة إلى تأخيرات ناجمة عن الإغلاق الحكومي، لكنها ذكرت في الوثيقة أن المزارعين يواجهون حاليا "حدودا مرتفعة بشكل غير معقول على أسعار الأجور"، ما زاد من تفاقم أزمة نقص العمالة.
وتشير بيانات الإدارة الأمريكية للهجرة والجمارك إلى أن العام الحالي شهد ترحيل نحو 150 ألف شخص، في إطار حملة مكثفة على الحدود والمدن الكبرى مثل واشنطن وشيكاغو ولوس أنجلوس، فيما تكشف السياسة الجديدة لوزارة العمل عن توتر داخل صفوف إدارة ترامب، إذ يرى المزارعون أن توسيع برنامج العمال الموسميين الأجانب يمنحهم متنفسا مؤقتا، بينما تعارض قطاعات أخرى هذا التوجه لغياب برامج مماثلة لديها.
وفي الوقت نفسه، يتعرض القطاع الزراعي الأمريكي لضغوط إضافية من الحرب التجارية التي تخوضها الإدارة الأمريكية، بعد أن أوقفت الصين شراء فول الصويا وبعض المحاصيل الأخرى الأمريكية، ما أضر بالمزارعين ودفع البيت الأبيض إلى بحث إمكانية تقديم حزمة إنقاذ مالية للقطاع.
ويرى محللون أن مزيج سياسات ترامب الاقتصادية، من الرسوم الجمركية المرتفعة ونقص في العمالة المهاجرة، بدأ ينعكس على الأسعار عموما، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 2.9% في أغسطس الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عدة سنوات.
وتسمح القواعد الجديدة للمزارعين بدفع أجور أقل للعمال الزراعيين الحاصلين على التأشيرات الجديدة، وتنقل مسئولية تمويل السكن من أصحاب العمل إلى العمال أنفسهم في أغلب الحالات، وهو ما قال عنه المحامي كريس شولت من مكتب فيشر فيليبس إن "هذا الإجراء يأتي استجابة للوضع الاقتصادي، حيث ارتفعت الأجور بشدة وأسهمت في التضخم الذي شهدته متاجر البقالة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة".
لكن منتقدي الهجرة داخل قاعدة ترامب وصفوا سياسة خفض أجور العمال الأجانب بأنها "خطأ"، محذرين من أنها تشجع المزارعين على الاعتماد أكثر على العمالة الأجنبية الرخيصة بدلا من الاستثمار في الأتمتة أو توظيف الأمريكيين، وقال مارك كريكوريان، مدير مركز دراسات الهجرة، إن "الإدارة تقوم بعمل جيد في ملف الهجرة، لكن هذه الخطوة تقلل الحافز لدى المزارعين لتقليل اعتمادهم على العمالة الأجنبية منخفضة الأجر".
ومن جهة أخرى، قالت نقابة عمال المزارع المتحدة إن القاعدة الجديدة تشكل كارثة على العمال الزراعيين الأمريكيين، إذ ستخفض الأجور وتتيح لأصحاب المزارع استبدالهم بعمال أجانب يمكن استغلالهم بسهولة.
وأوضح دانيال كوستا، مدير أبحاث سياسات الهجرة بمعهد السياسات الاقتصادية، أن "الإدارة التي كانت تزعم سابقا أن الأمريكيين سيتولون وظائف الزراعة أصبحت الآن تقول إن الترحيل تسبب في أزمة عمالة، وبالتالي ستخفض الأجور لتشجيع العمال الأجانب، وهو تناقض واضح".
وكانت وزيرة الزراعة الأمريكية بروك رولينز قد صرحت في يوليو الماضي بأن المستفيدين من برنامج "ميديكيد" الذين تنطبق عليهم شروط العمل الجديدة في قانون ترامب "الكبير والجميل" يجب أن يحلوا محل العمال المهاجرين غير الشرعيين في المزارع، مؤكدة أن عمليات الترحيل ستستمر ولكن بطريقة "استراتيجية" لتهيئة القوى العاملة الأمريكية تدريجيا.
إلا أن وزارة العمل الأمريكية أكدت في وثيقتها الأخيرة وجود "نقص هيكلي ومستمر في أعداد العمال الأمريكيين المؤهلين والراغبين في أداء الأعمال الزراعية المطلوبة"، ووصفت هذه الوظائف بأنها "من أكثر المهن إجهادا وخطورة في سوق العمل الأمريكي".
وبحسب وزارة الزراعة الأمريكية، فإن أكثر من 40% من العاملين في الزراعة بين عامي 2020 و2022 كانوا من المهاجرين غير الشرعيين، بينما يشكل الأمريكيون المولودون في البلاد نحو الثلث فقط من القوة العاملة الزراعية، وهو ما يبرز مدى اعتماد الزراعة الأمريكية على المهاجرين في وقت تسعى فيه إدارة ترامب إلى تقليص وجودهم بأكبر قدر ممكن.

ترامب أسعار الغذاء الهجرة المهاجرين