دكتورة دينا المصري تكتب: جثث عاطفية

في وباء صامت ماشي بينا، وباء أخطر من أي فيروس. وباء بيحوّل الناس اللي بنحبهم، ويمكن بيحولنا إحنا، لـ "جثث عاطفية".
الجثة العاطفية مش واحد ميت. ده واحد عايش، بياكل وبيشرب وبيروح شغله وبيضحك في صور السيلفي. لكن من جوه، هو مجرد فراغ. جثة باردة بتمشي على رجلين، وروحها ماتت من زمان.
طب إزاي بيتم تصنيع الجثة دي يا منطوي ؟
المصنع هو الحياة، بس خط الإنتاج بيبدأ بواحدة من تلاتة: صدمة مفتوحة: خيانة كسرت ضهره، فقدان مفاجئ لشخص كان هو كل حاجة، أو خذلان من أقرب الناس ليه. صدمة كانت أكبر من إنه يستحملها، فعقله الواعي قرر "يقتل" الجزء اللي بيحس بالألم. المشكلة إنه وهو بيقتله، قتل معاه كل المشاعر التانية بالمرة.
عطاء لحد ما نشف: سنين من التضحية لناس أو لكيان (بيت، شغل) امتصوا روحه نقطة نقطة. كان بيضحي بحتة من نفسه كل يوم وهو فاكر إنه بيبني، لحد ما صحي في يوم اكتشف إنه مبقاش فاضل منه أي حاجة. روحه خلصت، اتحرقت.
حلم ميت: واحد قضى عمره كله بيجري ورا حلم، وعاش علشانه. ولما الحلم ده مات قدام عينيه، هو كمان انهار من جواه. الحلم الميت ده اتحول لسرطان أكل روحه بالكامل. التحليل النفسي الصادم: ليه الجثة العاطفية خطر؟ الخطر مش في إنه مبيحسش.
الخطر في إنه بيتحول لـ "ثقب أسود عاطفي". بيمتص ومبيديش: أي محاولة منك تديله حب أو اهتمام بتختفي جواه. زي ما بترمي وردة في بير مالوش قرار. مجهودك بيضيع في الفراغ، وبيسيبك إنت مستنزَف ومحروق. هو مُعدي: العيشة مع جثة عاطفية بتصيبك بالعدوى.
بروده بيقتل الدفا اللي في روحك. يأسه بيسحب الأمل من قلبك. فراغه بيخليك تشك في قيمة وجودك إنت نفسك. بتبدأ تفقد ألوانك وتتحول لنسخة باهتة من نفسك، زيه بالظبط. مبيرحمش لأنه مبيحسش: ممكن يجرحك، يهينك، يتجاهلك تمامًا، ومش هتحس منه بأي ندم. مش لأنه شرير، لكن لأنه ببساطة "مبيحسش". إنت بالنسبة له مجرد شيء في الأوضة، زيك زي الكرسي أو الترابيزة.
علامات تعرف بيها الجثة العاطفية:
عينين فاضية: بص في عينيه كويس. مش هتلاقي فيها حزن أو فرح. هتلاقي فيها فراغ. نظرة زجاجية مطفية، كأن روحه مش ساكنة في جسمه أصلًا. ردود أفعال محفوظة: بيقول "بحبك" زي ما بيقول "هات الملح".
الكلمات بتخرج من بوقه من غير ما تلمس قلبه. ردود أفعاله كلها آلية، كأنه روبوت.
قاعد لوحده وسط الناس: ممكن يكون قاعد معاك في نفس الأوضة، لكنه في عالم تاني. بيبص في الموبايل بالساعات، أو بيبحلق في الحيطة. وجوده الجسدي ملوش أي علاقة بحضوره.
النهاية المأساوية: الجثة العاطفية مبتصحاش بالحب. الحب بالنسبة له مجرد محاولة فاشلة لإنعاش ميت. الشفا (لو ممكن أصلًا) لازم يجي بقرار مرعب منه هو، قرار بإنه يرجع يفتح باب الألم اللي قفله من سنين، عشان يعرف يحس تاني.
ولو إنت عايش مع جثة عاطفية، لازم تفهم إنك مش المنقذ. إنت مجرد الضحية الجاية في سلسلة ضحاياه. مهمتك مش إنك تحييه، مهمتك إنك تنقذ نفسك قبل ما يسحبك معاه لقبره العاطفي.
الهروب هنا مش جبن. الهروب هنا هو أسمى أنواع حب البقاء.
الكاتبة والمحررة الإعلامية الدكتورة دينا المصري