الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 02:10 صـ 13 ربيع آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

مالك السعيد المحامي

مالك السعيد المحامي يكتب: ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة تلهم المصريين لانجاز أعظم مشروعات التنمية ومواجهة التحديات الخارجية


في السادس من أكتوبر من كل عام، تتجدد في قلوب المصريين مشاعر الفخر والعزة، ويعلو نبض الوطنية في كل بيت، احتفاءً بذكرى نصر أكتوبر المجيد، ذلك اليوم الذي أعاد لمصر كرامتها وهيبتها بعد سنوات من الانكسار، وأثبت للعالم بأسره أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن المصري حين يعقد العزم يستطيع أن يصنع المعجزات.
لم يكن نصر أكتوبر وليد لحظة، ولا حدثًا عابرًا في تاريخ الأمة، بل جاء ثمرة إعداد طويل، وتخطيط دقيق، وصبر لا يلين. بعد نكسة يونيو 1967، التي كانت من أصعب اللحظات في تاريخ مصر الحديث، بدأت الدولة المصرية بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات رحلة الإعداد للثأر واسترداد الأرض والكرامة.
خاضت مصر معركة البناء قبل معركة السلاح، فأعادت تنظيم جيشها على أسس علمية حديثة، وجهزت قواتها بأحدث الأسلحة، واهتمت بتدريب المقاتلين ورفع كفاءتهم القتالية والنفسية. كما كانت حرب الاستنزاف التي خاضها الجيش المصري على جبهة القناة بمثابة مدرسة حقيقية أعدت المقاتل المصري لخوض معركة الكرامة.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد آنذاك، فإن المصريين ضربوا أروع الأمثلة في الصبر والعطاء، فقد تحمل الشعب سنوات طويلة من التقشف والإصلاح من أجل أن تبقى القوات المسلحة قادرة على المواجهة واستعادة الأرض.
جاء السادس من أكتوبر 1973 ليكون يومًا خالدًا في سجل التاريخ، يومًا امتزج فيه الإيمان بالعلم، والشجاعة بالحكمة، والتخطيط بالتنفيذ المتقن. ففي تمام الساعة الثانية ظهرًا، انطلقت الطائرات المصرية لتعبر قناة السويس وتدك مواقع العدو، في الوقت الذي تقدمت فيه قوات المشاة على القناة في ملحمة بطولية عظيمة، مستخدمة مضخات المياه لتحطيم خط بارليف الذي وصفته إسرائيل بأنه "المانع الذي لا يُقهر".
في خلال ست ساعات فقط، عبر أكثر من 80 ألف مقاتل مصري قناة السويس، وتمكنوا من تدمير أكثر من 200 دبابة للعدو، ورفعوا علم مصر عاليًا على الضفة الشرقية. لقد تحققت المعجزة على أيدي رجال آمنوا بالله وبوطنهم، واستطاعوا أن يثبتوا للعالم أن مصر لا تُهزم.
دفعت مصر ثمن النصر دمًا زكيًا سال على أرض سيناء. آلاف الشهداء والجرحى من أبناء القوات المسلحة والمدنيين كتبوا بدمائهم فجر الحرية، وتركوا للأجيال القادمة درسًا خالدًا في التضحية والفداء. كانت كل طلقة وكل خطوة على أرض المعركة شهادة على أن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع.
لقد فقدت كل أسرة مصرية تقريبًا في تلك السنوات الغالية شهيدًا أو مصابًا، ومع ذلك ظل الشعب صامدًا مؤمنًا بأن هذا الثمن هو الطريق الوحيد لاسترداد الأرض والعزة.
لم يكن العبور مجرد انتصار عسكري، بل كان بداية مسار سياسي طويل لاسترداد كل شبر من أرض الوطن. فبفضل صلابة الموقف المصري وبراعة القيادة السياسية، تمكنت مصر من استعادة كامل أراضيها في سيناء عبر المفاوضات واتفاقيات السلام التي جاءت تتويجًا للنصر العسكري.
أصبح نصر أكتوبر نموذجًا عالميًا في إدارة الحروب الحديثة، يجمع بين التخطيط العسكري الدقيق والتحرك السياسي الذكي، ويمثل اليوم مصدر إلهام لكل من يسعى لاستعادة حقوقه بالعمل والعزيمة.
لم تحقق حرب أكتوبر فقط انتصارًا على العدو، بل كانت نقطة تحول في مسار الأمة العربية بأكملها. فقد أعادت الثقة للجيوش العربية، وأثبتت أن التضامن العربي قوة لا يُستهان بها، حين توحدت المواقف وتضافرت الجهود السياسية والعسكرية والاقتصادية.
كما أعادت هذه الحرب لمصر دورها الريادي في المنطقة، وأعادت للمصريين الثقة في أنفسهم وفي جيشهم، وهو الإنجاز الأكبر الذي لا يُقاس بالأرقام بل بالمشاعر الوطنية التي لا تزال تتجدد كل عام.
واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على هذا النصر العظيم، تمر منطقة الشرق الأوسط بظروف غاية في الصعوبة، من اضطرابات سياسية ونزاعات عسكرية وصراعات إقليمية تهدد أمن واستقرار الشعوب.
تشهد المنطقة تحديات اقتصادية غير مسبوقة نتيجة الأزمات العالمية، وتراجع النمو، وارتفاع الأسعار، وتزايد التوترات في مناطق مختلفة، مما يفرض على الدول – ومصر في مقدمتها – أن تكون أكثر حذرًا واستعدادًا للحفاظ على أمنها القومي واستقلال قرارها السياسي.
رغم كل التحديات، تواصل مصر مسيرة البناء بثقة وثبات، مستلهمة روح أكتوبر في كل خطوة. فالمعركة اليوم لم تعد بالسلاح وحده، بل أصبحت معركة تنمية وبناء في مواجهة التحديات الاقتصادية، ومعركة وعي وصمود في مواجهة حملات التضليل ومحاولات زعزعة الثقة.
يبذل الجيش المصري، درع الوطن وسيفه، جهودًا عظيمة في حماية الحدود ومكافحة الإرهاب والحفاظ على استقرار الدولة، في وقت تعمل فيه القيادة السياسية على دعم الاقتصاد الوطني، وتنفيذ مشروعات قومية عملاقة في مختلف المجالات، لتوفير حياة كريمة لكل المصريين.
وفي ظل هذه التحديات، تأتي ذكرى نصر أكتوبر المجيد لتذكرنا بأن قوتنا الحقيقية في وحدتنا، وأن مصر التي انتصرت في أحلك الظروف قادرة على تجاوز أي أزمة طالما توحد شعبها خلف جيشها وقيادتها.
إن روح أكتوبر ليست مجرد ذكرى، بل هي منهج حياة يجب أن يسود بين المصريين في العمل والإخلاص والانتماء. علينا أن نستحضر روح الجندي المصري الذي لم يعرف اليأس، وأن نجعل من هذا النصر دافعًا لبناء المستقبل.
فلنجعل من احتفالنا بذكرى نصر أكتوبر مناسبة لتجديد العهد مع الوطن، ولنتذكر دائمًا أن مصر التي أنجبت الأبطال قادرة على مواجهة أي تحدٍ، ما دمنا متماسكين مؤمنين بوطننا.
وفي ختام هذه الذكرى العطرة، نقول كما قال السادات يوم النصر:
ولكننا نضيف اليوم: إن قوة مصر لا تكمن فقط في سلاحها، بل في إرادة شعبها ووحدته وإيمانه بالمستقبل.فلنكن جميعًا على قلب رجل واحد، خلف قيادتنا السياسية وجيشنا العظيم، ولتكن روح أكتوبر نبراسًا يضيء طريقنا نحو مستقبل أفضل لمصرنا الغالية.