أسرى الصمت.. حين يتكلم الداخل !
بقلم : سما ابو زيد
لا صوت يعلو فوق صوت الصمت.
حين يغمر روحك هذا الشعور، لن يستطيع أحد إنقاذك سوى نفسك، ولا يمكنك الخروج منه إلا بعد أثر نفسي عميق يجعلك شخصًا غريبًا عن نفسك، وكأنك تتعرف إليها للمرة الأولى.
هناك مواقف تحدث في حياتك تحتاج إلى قرار عاجل وحاسم لإنقاذها جذريًا، لكنك تجد نفسك صامتًا، عاجزًا عن المواجهة. فتتراكم المشكلات من حولك بلا رد، ثم تعود وحيدًا إلى غرفتك، تحدث نفسك في صمت:
إلى متى ستستمر هذه الحالة التي لازمتني منذ وقت طويل؟ إلى متى سأبقى أسير السكوت، أكتم داخلي ما يستحق أن يُقال، وأبعثره في صدري؟
إنها مواجهة طويلة بينك وبين نفسك، تنتهي دائمًا بقرار واحد: "يبقى الوضع على ما هو عليه."
الحقيقة أن كثيرًا من الناس يصلون إلى هذه المرحلة بعد سلسلة من الأزمات والصراعات والضغوط النفسية، وبعد أن يرهق العقل والقلب بما يفوق طاقتهما. حينها لا يبقى سوى جزء صغير يحاول التأقلم مع الحياة، رغم أن الأمر خرج عن إرادتك. وهكذا يصبح السكوت هو اللغة الوحيدة الباقية.
مع الوقت، يمتد الصمت من لسانك إلى قلبك. حتى حين تحب، قد تعجز عن قول "أحبك" من جديد، مكتفيًا بحب صامت يسكن داخلك. تخشى أن يفتح الكلام أبوابًا لا تنغلق، فيستمر الحوار حتى ينهكك. وهكذا تضيع لحظات جميلة كان يمكن أن تعيشها مع من تحب، لأن السكوت فرض سلطته عليك، وأخفيت مشاعر نقية تستحق البوح.
فتسأل نفسك: هل ما أفعله صحيح؟ هل الصمت حماية أم هزيمة؟ تجد قلبك محاصرًا في دائرة ضيقة من المشاعر، تتنفس من خلالها بصعوبة. ثم تدخل في صراع داخلي:
هل أستمر في علاقة صامتة حتى وإن تألمت؟ أم أواجه وأكسر هذا الجدار الذي ينهكني؟
إنه "مرض الصمت"؛ من أخطر الأمراض النفسية، لأنه يأكلك من الداخل بصمت، حتى لا تدرك إلى أين وصلت. فالصمت هو آخر الحلول، وآخر مراحل الإنهاك النفسي، حين تستنزف قدرتك على الاحتمال، أو حين تعطي كثيرًا بلا مقابل، أو حين تتحمل أكثر من طاقتك.
وحين تصل إلى هذه المرحلة، تراجع خطوة إلى الوراء. واجه آخر ما حدث لك بصدق، قبل أن يستولي الصمت على كلماتك، ويحطم قلبك وعقلك من الداخل.