الخميس 2 أكتوبر 2025 03:54 مـ 9 ربيع آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

أخبار مصر

الدولة الكبيرة القادرة على التمكين”.. الصين ترسم خريطة جديدة لحوكمة العالم


في الأول من سبتمبر عام 2025، خلال اجتماع "منظمة شانغهاي للتعاون+" الذي عقد في مدينة تيانجين، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل رسمي مبادرة "الحوكمة العالمية". هذه المبادرة، التي تأتي بعد مبادرة "التنمية العالمية" ومبادرة "الأمن العالمي" ومبادرة "الحضارة العالمية"، تشكل منتجا دوليا عاما مهما آخر تقدمه الصين.
إن هذه المبادرة التي تستند إلى مبادئ جوهرية مثل المساواة في السيادة وسيادة القانون الدولي وتعددية الأطراف ووضع الإنسان في المقام الأول والتمسك بالتركيز على العمل، إلخ، قد أتت بأفكار واتجاهات جديدة للأمم المتحدة التي تحتفل بالذكرى السنوية الثمانين لتأسيسها، ومنظومة الحوكمة العالمية التي تواجه تحديات متعددة.
تأسست الأمم المتحدة على أنقاض الحرب العالمية الثانية، وتسعى إلى تسوية النزاعات وتشكيل المعايير، وتعد منارة مهمة لتعددية الأطراف. ولكن الصراعات الجيوسياسية والاضطرابات الاقتصادية والهوة التكنولوجية وأزمة المناخ، التي تعاني منها الأمم المتحدة اليوم، جعلت هذه المنظومة تتحمل ضغوطا غير مسبوقة، وبات إصلاح الحوكمة العالمية أمرا ملحا. في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، أصبح دور الصين ورؤيتها- كدولة مؤسسة للأمم المتحدة ودائمة العضوية في مجلس الأمن- أكثر أهمية من أي وقت مضى. يوفر مفهوم "الدولة الكبيرة القادرة على التمكين" رؤية فريدة لفهم دور الصين في دفع بناء نظام دولي أكثر عدلا وشمولا.
تغير دور الصين في الأمم المتحدة
لفهم رؤية الصين للحوكمة العالمية، يجب أن نسترجع تفاعلها مع الأمم المتحدة على مدى أكثر من نصف قرن. في عام 1971، أعاد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية، وهو ما يعد انتصارا للدبلوماسية الصينية، كما يُنظر إليه على أنه تعديل تاريخي في منظومة الحوكمة العالمية. إن الأصوات المؤيدة للعديد من الدول الناشئة في آسيا وأفريقيا لهذا القرار، تبرز وحدة دول "الجنوب العالمي"، وتشكل أيضا توازنا إيجابيا ضد الهيمنة التقليدية للغرب.
في المرحلة الأولى من عودتها إلى الأمم المتحدة، شاركت الصين بحذر كـ"متلق للقواعد"، حيث كان تركيزها الدبلوماسي منصبا على المحافظة على حماية سيادتها والتنمية الوطنية. منذ نهاية القرن العشرين، ومع تعزيز قوتها الوطنية الشاملة وزيادة مستوى العولمة، بدأت الصين في تغيير دورها إلى "صانع للقواعد". اليوم، أصبحت الصين أكثر البلدان إرسالا لقوات حفظ السلام بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي أيضا ثاني أكبر دولة ممولة لعمليات حفظ السلام للأمم المتحدة. من الدفع نحو إبرام "اتفاق باريس"، إلى الانخراط العميق في التعاون التنموي الدولي، تواصل الصين الدعوة لمبدأ سيادة الدول المتساوية الذي أقره "ميثاق الأمم المتحدة"، مما يعزز تأثيرها على الساحة العالمية.
تؤمن الصين بقوة أن النظام المتعدد الأطراف الذي تترأسه الأمم المتحدة هو حجر الزاوية في تعددية الأقطاب في العالم، وهو الضمان المؤسسي لمواجهة الأحادية. في هذا الموقف، تتوافق الصين بشكل كبير مع دول نامية عديدة، وأصبحت تدريجيا جسرا يربط بين "الشمال العالمي" و"الجنوب العالمي". اليوم، مع طرح مبادرة "الحوكمة العالمية"، تحقق الصين الانتقال من مشارك مهم إلى مُحدد أكثر نشاطا للأجندات.
لماذا تتعثر إصلاحات الحوكمة العالمية؟
على الرغم من أن الصين تدعم تعددية الأطراف، فإن ثمة العديد من الأسباب وراء تراجع الثقة المتبادلة مع الغرب في مجال الحوكمة العالمية في السنوات الأخيرة، أهمها تعاظم المنافسة المنهجية. اعتادت بعض الدول الغربية الكبيرة على مساواة النفوذ بالسيطرة، وتنظر إلى العلاقات الدولية على أنها لعبة محصلتها صفر. مع ارتفاع صوت الصين في آليات مثل الأمم المتحدة، لا بد أن يمثل ذلك تحديا للتسلسل الهرمي القائم للسلطة، مما يثير القلق الإستراتيجي لدى تلك الدول الغربية.
ثانيا، تؤدي الاختلافات في القيم إلى تفاقم الاختلافات المعرفية. ترى السرديات السائدة في الغرب أن نموذج الحوكمة في الصين "غريب" وغير متوافق مع القيم التي تروج لها الدول الغربية، ومن ثم تبني توقعاتها لدوافع المبادرات العالمية الصينية. أدت هذه العقلية الأيديولوجية أولا إلى إساءة قراءة تصرفات الصين مرارا وتكرارا. على سبيل المثال، فإن مبادرة "الحزام والطريق" التي رسخت وضعها كمنفعة عامة دولية تعزز التواصل والتنمية المشتركة، تم تصنيفها من قبل بعض الرأي العام في الغرب على أنها "أداة جيوسياسية" أو حتى "فخ ديون". في المجالات الناشئة، مثل الحوكمة

الدولة الكبيرة القادرة على التمكين الصين ترسم خريطة جديدة لحوكمة العالم