”مسجد الرفاعي” تراث المملوكي بلمسة القرن العشرين في ميدان القلعة بالقاهرة
مسجد الرفاعي
إيهابحبلص
يقف مسجد الرفاعي شامخاً بجوار جاره الأقدم والأضخم، جامع السلطان حسن المملوكي. هذا التجاور ليس مجرد مصادفة معمارية، بل هو قصة رغبة في العظمة والمضاهاة، فقد بُني مسجد الرفاعي في القرن العشرين ليُحاكي العمارة المملوكية الباذخة التي تميز بها جاره، ما جعله يُعرف بأنه "آخر المساجد الأثرية الكبرى في القاهرة".
قصة إنشاء تجاوزت الأربعين عامًا
تعود فكرة بناء المسجد إلى الأميرة خوشيار هانم، والدة الخديوي إسماعيل، التي أمرت بإنشائه في عام 1869م على أن يضم مسجداً كبيراً ومقابر لأفراد الأسرة العلوية.
ولكن رحلة البناء لم تكن سهلة؛ فقد بدأت وتوقفت لـ أكثر من 25 عامًا بعد وفاة الأميرة خوشيار. لم يُستكمل المشروع إلا في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، حيث كُلِّف المهندس النمساوي-المجري الشهير ماكس هيرتز باشا بإكمال البناء، ليُفتتح المسجد أخيراً للصلاة عام 1912م، أي بعد أكثر من أربعة عقود من وضع حجر الأساس.
أيقونة فنية ومعمارية
يتميز مسجد الرفاعي بثراء لا يُضاهى في التفاصيل والديكورات الداخلية، فهو يمثل خلاصة الفنون الإسلامية:
الزخرفة المتقنة: يشتهر المحراب والمنبر بأعمال الحشوات الخشبية المجمّعة الدقيقة، والزخارف الإسلامية التي تغطي كل زاوية، بالإضافة إلى الخطوط العربية الرائعة التي تحمل الآيات القرآنية.
تصميم معماري فريد: يعكس المسجد تأثير الطراز المملوكي في تخطيطه وأبعاده الشاهقة، لكنه أضاف إليه لمسة من الفخامة التي ميزت عصر الأسرة العلوية.
مدفن العائلة الملكية وقبر الشاه
الأسرار الحقيقية لمسجد الرفاعي تكمن في غرف المدافن الملحقة به، والتي جعلته يُعرف شعبياً باسم "مقبرة الملوك". يضم المسجد رفات شخصيات محورية في تاريخ مصر الحديث والمنطقة:
مؤسسو العائلة: الخديوي إسماعيل ووالدته الأميرة خوشيار هانم.
ملوك مصر: الملك فؤاد الأول وابنه الملك فاروق الأول (آخر ملوك مصر).
ضيوف ملكيون: يُعد المسجد مثوى لمحمد رضا بهلوي، آخر شاه لإيران، الذي دُفن به عام 1980م.
كما يضم المسجد أيضاً ضريحي شيخين صوفيين جليلين هما الشيخ علي أبو شباك والشيخ يحيى الأنصاري، وتعود تسميته إلى الزاوية القديمة التي كانت موجودة في موقعه والمنسوبة إلى الشيخ علي أبو شباك من ذرية الإمام أحمد الرفاعي.
مسجد الرفاعي هو أكثر من مجرد معلم ديني، إنه متحف حي للتاريخ والعمارة، يحكي قصة طموح سيدة عظيمة، ومُقام ملوك، وتحفة فنية تجعل زواره في حوار صامت مع أزمان مضت.