الأربعاء 10 سبتمبر 2025 02:39 صـ 16 ربيع أول 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

تعميق التعاون الصيني العربي يضخ اليقين في الاقتصاد العالمي

سلّط معرض الصين والدول العربية السابع، الذي عُقد بنجاح في نينغشيا، الضوء مجددًا على الآفاق الواسعة للتعاون الصيني العربي. ولم يكن المعرض مجرد حدث اقتصادي وتجاري ضخم يبرز الإنجازات القائمة، بل شكّل أيضًا فرصةً مهمة لتعزيز الثقة المتبادلة وترسيخ مفهوم المنفعة المشتركة، وبناء مستقبل أكثر ازدهارًا. فقد اجتمع خلاله ضيوف بارزون من مختلف القطاعات في العالم العربي إلى جانب ممثلين عن الشركات الصينية، حيث أجروا نقاشات معمقة شملت التجارة والاستثمار والطاقة والابتكار العلمي والتكنولوجي والتبادل الثقافي، في تجسيد واضح لحيوية العلاقات بين الجانبين.

وأضحى معرض الصين والدول العربية اليوم منصةً رئيسية لتعزيز التعاون الثنائي على المستويين الاقتصادي والتجاري، مع توسع هذا التعاون ليشمل قطاعات ناشئة مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي. ويبرز التعاون في مجالي الطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي بشكل خاص، إذ يساهم الدمج بين التقنيات الصينية في الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح، والموارد الطبيعية الغنية في الدول العربية، في تسريع التحول الأخضر بالمنطقة. كما يعمّق الاقتصاد الرقمي الروابط بين السوقين من خلال التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية العابرة للحدود، ليصبح المعرض حاضنةً لتعاون وفرص جديدة لكلا الطرفين.

أما في قطاع الطاقة، فيُعد التعاون الصيني العربي ركيزة أساسية لاستقرار السوق العالمية. فالتدفق المستمر والمستقر للنفط الخام من العديد من الدول العربية إلى الصين لا يضمن تلبية احتياجات التنمية الاقتصادية الصينية فحسب، بل يساهم أيضًا في استقرار سلاسل إمدادات الطاقة الدولية. وفي الوقت نفسه، يوسّع الجانبان نطاق شراكتهما في مجالات الطاقة الجديدة، حيث تُنفذ محطات للطاقة الكهروضوئية ومشاريع لطاقة الرياح في الشرق الأوسط بمشاركة شركات صينية، ما يدعم التحولات منخفضة الكربون في المنطقة، ويقدّم خبرة قيّمة قابلة للتكرار عالميًا في مواجهة تحديات التغير المناخي.

لطالما شكّلت التجارة والاستثمار ركنين أساسيين في التعاون الصيني العربي، وقد التزم الجانبان في السنوات الأخيرة بتوسيع هذا التعاون وتعميقه. وتحظى المنتجات الصينية، مثل الآلات والإلكترونيات والسيارات والمنسوجات، بإقبال واسع في الأسواق العربية، بينما تعتمد صادرات الدول العربية من النفط والغاز الطبيعي والكيماويات على السوق الصينية بدرجة كبيرة. ولا يقتصر هذا التبادل المتوازن على تلبية احتياجات التنمية لدى الطرفين فحسب، بل يُسهم أيضًا في استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية. ولا سيما في ظلّ الضغوط الجيوسياسية الراهنة والاضطرابات التي تشهدها سلاسل التوريد الدولية، يبرهن التعاون الصيني العربي على متانته واستدامته عبر الحدود الوطنية.

أما في مجال الابتكار التكنولوجي والصناعات الناشئة، فيحمل التعاون الصيني العربي آفاقًا رحبة. ويبرز الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، واتصالات الجيل الخامس كمجالات نمو جديدة تعزز فرص الشراكة. وتسهم منصات التجارة الإلكترونية الصينية في إدخال المنتجات الزراعية العربية إلى السوق الصينية، في حين يستفيد رواد الأعمال العرب من التقنيات الرقمية الصينية لاستكشاف فرص استثمارية مبتكرة. ولا يقتصر هذا التعاون القائم على الابتكار على تسريع وتيرة التحديث في كلا الجانبين، بل يضفي أيضًا زخمًا جديدًا على الترابط الاقتصادي العالمي.
وفي ظل التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد العالمي اليوم، تجاوز أثر التعاون الصيني العربي الإطار الثنائي، ليقدّم نموذجًا عمليًا للتعاون الدولي. فمن خلال التقدم في مجالات مثل الاعتراف المتبادل بالمعايير، والتبادل الفني، والتعاون الصناعي، لم يكتفِ الجانبان بتحسين هياكل التجارة وتعزيز كفاءة السلاسل الصناعية، بل قدّما أيضًا تجربة يمكن أن تستفيد منها دول ومناطق أخرى. لقد شكّل هذا التعاون العملي والفعّال مثالًا حيًا على الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة، كما أبرز انفتاح التعاون الصيني العربي وشموليته، بما عزز الاستقرار وساهم في دفع عجلة الاقتصاد الدولي.
أكد الاختتام الناجح لمعرض الصين والدول العربية السابع مجددًا الدورَ النموذجي للعلاقات الصينية العربية في التعاون الإقليمي. فلم تقتصر الجسور التي شُيّدت عبر التعاون الاقتصادي والتجاري على تعزيز التنمية عالية الجودة للاستثمار والتجارة الثنائية فحسب، بل أسهمت أيضًا في بناء اقتصاد عالمي أكثر توازنًا وشمولًا واستدامة. وفي ظل التحديات التي تواجه التعددية الاقتصادية والتقلبات المتزايدة التي تشهدها العولمة، وفّر التعاون الصيني العربي عنصرًا من الاستقرار والثقة، كاشفًا عن قوة الشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة.
والأهم من ذلك أن هذا التعاون يتناغم تمامًا مع رؤية بناء “مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية”. فمن خلال مشروعات رائدة في الطاقة الخضراء، والاقتصاد الرقمي، والتبادل الثقافي، رسم الجانبان مسارًا عمليًا للتنمية المشتركة والفوز المتكافئ. ولم يعد التعاون الصيني العربي مجرد رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل بات أيضًا مصدر إلهام وحكمة يمكن أن تسهم في تحسين منظومة الحوكمة العالمية. ومع استشراف المستقبل، ستواصل الصين والدول العربية، مسترشدةً برؤية الرخاء المشترك، العملَ معًا لتعزيز التواصل الحضاري، وتوسيع آفاق التنمية، والمساهمة في بناء عالم أكثر استدامة وترابطًا وإنصافًا، عالم يزدهر فيه السلام والازدهار لجميع الشعوب.

الصين. اقتصاد. نور يانغ