الأربعاء 30 يوليو 2025 09:45 مـ 4 صفر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

الدكتورة نرمين فهيم تكتب: أثر تطبيق مبادئ الحوكمة على كفاءة المؤسسات الاقتصادية في مصر

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة والسعي نحو تحسين الأداء المؤسسي، أصبحت الحوكمة أحد أهم الأدوات الاستراتيجية لتعزيز كفاءة المؤسسات، لا سيما في الدول التي تمر بمرحلة إعادة هيكلة اقتصادية. وقد أولت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة اهتمامًا بالغًا بتطبيق مبادئ الحوكمة في مختلف القطاعات، في إطار خطة الإصلاح الإداري والاقتصادي وتنفيذ أهداف رؤية مصر 2030. تتجلى أهمية الحوكمة في قدرتها على تحسين الشفافية، مكافحة الفساد، رفع كفاءة الأداء، وزيادة ثقة المستثمرين، وهو ما يصب في النهاية في تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي.

أولًا: مفهوم الحوكمة ودورها في الأداء المؤسسي

تشير الحوكمة إلى النظام الذي يتم من خلاله توجيه ومراقبة المؤسسات، وتقوم على مجموعة من المبادئ مثل الشفافية، المساءلة، المسؤولية، النزاهة، والكفاءة. وتعد الحوكمة من أبرز آليات الإصلاح المؤسسي، حيث تسهم في تعزيز فعالية صنع القرار، ترشيد الموارد، وتقليل المخاطر التشغيلية.

ووفقًا لتعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن الحوكمة الجيدة "تضمن أن المؤسسات تعمل بطريقة فعالة ومسؤولة، وتحقق التوازن بين مصالح مختلف الأطراف المعنية"[1].

ثانيًا: الحوكمة في السياق المصري

بدأت الدولة المصرية في تكريس مفاهيم الحوكمة منذ أوائل الألفية الجديدة، إلا أن الاهتمام الفعلي والهيكلي تجلى بوضوح عقب إطلاق رؤية مصر 2030، التي وضعت الحوكمة كأحد المحاور الرئيسية في محور الإصلاح الإداري وتطوير الجهاز الحكومي. كما اعتمدت مصر على معايير دولية لتقييم الأداء المؤسسي، وتم إنشاء وحدات لمتابعة تطبيق مبادئ الحوكمة في الوزارات والهيئات.

ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها الدولة:
- تفعيل التحول الرقمي داخل الجهات الحكومية.
- إصدار مدونة السلوك الوظيفي للعاملين بالجهاز الإداري.
- إطلاق بوابة الشكاوى الحكومية الموحدة.
- تبني نظام الأداء المؤسسي المتكامل وتقييمات KPIs للمؤسسات العامة.

ثالثًا: أثر تطبيق الحوكمة على كفاءة المؤسسات الاقتصادية

1. تحسين الكفاءة التشغيلية: يساعد تطبيق الحوكمة على تحسين آليات اتخاذ القرار وتقليل الازدواجية والهدر، مما يرفع من الكفاءة التشغيلية. على سبيل المثال، تبين من تقرير وزارة التخطيط المصري عام 2023 أن المؤسسات التي طبقت نظام المراجعة الداخلية والرقابة الإدارية تحسّن لديها الأداء المالي بنسبة 21% مقارنة بالمؤسسات التي لم تعتمد تلك الآليات[2].

2. تعزيز الشفافية وتقليل الفساد: تشير تقارير الرقابة الإدارية إلى أن تطبيق الحوكمة ساعد على كشف عدد كبير من مخالفات الصرف وترشيد استخدام الموارد. ووفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية، تحسن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الفساد من المرتبة 117 في 2019 إلى المرتبة 108 في 2022[3].

3. تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي: تسهم الحوكمة في تعزيز ثقة المستثمرين عبر توفير بيئة مؤسسية مستقرة وواضحة

وقد أوضحت الهيئة العامة للاستثمار أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفع بنسبة 10% عام 2022 مقارنة بالعام السابق، بالتزامن مع تطبيق معايير الإفصاح المالي في عدد من القطاعات[4].

4. زيادة الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات العامة: عبر تطبيق الحوكمة، تحسنت معدلات الإنجاز في بعض المؤسسات مثل مراكز الخدمات الحكومية. فبحسب الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ارتفعت نسبة رضا المواطنين عن الخدمات المقدمة إلكترونيًا من 42% في 2020 إلى 68% في 2023[5].

رابعًا: تحديات تطبيق الحوكمة في مصر

رغم التقدم الملحوظ، لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة، منها:
- ضعف ثقافة الحوكمة لدى بعض الكوادر الإدارية.
- تداخل الصلاحيات الإدارية بين الجهات المختلفة.
- الحاجة إلى تحديث التشريعات المرتبطة بالمساءلة والشفافية.
- نقص الكوادر المؤهلة في مجال المراجعة الداخلية وإدارة المخاطر.

خامسًا: التوصيات

1. تعزيز برامج التوعية والتدريب في مجال الحوكمة لكوادر المؤسسات الاقتصادية.
2. إدراج مؤشرات الحوكمة ضمن آليات التقييم المؤسسي السنوي.
3. تحفيز القطاع الخاص على تبني مبادئ الحوكمة عبر حوافز ضريبية وتشريعية.
4. تطوير قوانين الإفصاح والشفافية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
5. دعم استقلالية أجهزة الرقابة الداخلية داخل المؤسسات.

الخاتمة

تثبت التجربة المصرية أن الحوكمة ليست فقط إطارًا نظريًا بل أداة فعالة لتحقيق الكفاءة المؤسسية والتنمية الاقتصادية. فبتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة والمسؤولية، يمكن للمؤسسات العامة والخاصة على حد سواء أن تقدم أداءً أكثر فاعلية واستدامة. إن استمرار الدولة في توسيع نطاق تطبيق الحوكمة من شأنه أن يدعم رؤية مصر 2030 ويعزز مكانتها كمركز إقليمي للاستثمار والتنمية.

المراجع

[1] OECD (2015), Principles of Corporate Governance, OECD Publishing.
[2] وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تقرير الأداء المؤسسي 2023.
[3] Transparency International, Corruption Perceptions Index Report 2022.
[4] الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، تقرير تدفق الاستثمارات الأجنبية 2022.
[5] الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، تقرير رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية 2023.