خالد مصطفى يكتب: إبعاد الكفاءات خسارة وطنية

عدم اختيار الكفاءات في مجلسي الشيوخ والنواب خسارة وطنية تتكرر في كل دورة برلمانية ومع كل استحقاق انتخابي جديد يتكرر نفس المشهد المحبط تُهمل الكفاءات ويُقصى أصحاب الخبرات بينما يتصدر المشهد أصحاب الولاءات وأصحاب النفوذ المالي وأحيانا من لا يملكون من مقومات التمثيل الشعبي أو التشريعي شيئاً سوى الدعم السياسي أو المالي لأن إقصاء الكفاءات يعتبر خلل في منظومة الاختيار فالبرلمان بشقيه الشيوخ والنواب هو العقل التشريعي والرقابي للدولة ووجود الكفاءات داخله ضرورة وليست ترفاً
ومع ذلك تُقصى العقول اللامعة من أساتذة الجامعات والخبراء القانونيين والاقتصاديين والإعلاميين والمصريين فى الخارج والشخصيات العامة المشهود لها بالنزاهة والخبرة لصالح وجوه لا تُضيف بل أحياناً تُسيء إلى صورة المؤسسة التشريعية وهذا يرجع لسبب بأن للمال دور كبير في حسم المقاعد ما يمنح الأفضلية لمن يملكون القدرة على شراء الأصوات
أو النفوذ بغض النظر عن الكفاءة بالاضافة لكثير من الأحزاب تعودت على تفضيل الولاء على الكفاءة وتعتمد على ترشيحات محسوبة سياسياً وليس وطنياً لان غياب الكفاءات يعني غياب الأفكار وضياع المبادرات النوعية التي تنهض بالبلاد فيجب إعادة النظر
في آليات الترشيح والاعتماد على معايير الكفاءة والمهنية الوطن لا يُبنى بالهتاف بل بالعقل والمقاعد النيابية لا يجب أن تكون حصصاً توزع بل مسؤوليات تُحمّل انها معركة بقاء بين أمة تُكرم عقولها وأمة تُقصيهم وتصفق للفراغ لأن الدولة تبنى بكل عقل مضيء وكل فكر ناضج وكل صوت حر ورغم ذلك نجد أن الكفاءات تُقصى عمداً من المشهد النيابي وتُحرم من مقاعدها داخل مجلسي الشيوخ والنواب وكأن الوطن قرر أن يستغني عن أنبغ أبنائه في لحظة فارقة من تاريخه فتعمد إبعاد الكفاءات في مجلسي الشيوخ والنواب جريمة في حق الوطن والعقل المصري لأن معايير الاختيار لم تعد تعتمد على القدرة والجدارة بل على العلاقات والنفوذ والمال السياسي فتُغلق الأبواب في وجه أصحاب الفكر والخبرة وتُفتح على مصراعيها أمام من لا يملكون إلا الولاء أو الصوت العالي أو النفوذ القبلي فحين تخلو المجالس التشريعية من الكفاءات فإن الوطن يسير معصوب العينين
من يصيغ القوانين من يراقب الحكومة من يحاسب الفاسدين كيف يُطلب من برلمان بلا خبرات حقيقية أن يحمل هموم الناس ويصيغ مستقبل البلاد فيتحول البرلمان إلى واجهة سياسية شكلية لا تملك من أدوات الرقابة والتشريع إلا الاسم ولو نظرنا لبرلمانات عديدة في العالم المتقدم سنجد أنها لا تقوم إلا على أعمدة الكفاءات للمقدرة على إتخاذ قرار وطني واعى أما في بلادنا فالكفاءات تُركن على الهامش وينظر إليها كأنها عبأ لا ركيزة إذا أردنا وطناً قوياً لابد من وجود برلماناً يحاسب لا يجامل ويشرع لا يساوم فلابد من إعادة الاعتبار للكفاءات فهؤلاء هم الثروة الحقيقية هم من يكتبون التاريخ لا من يتكئون عليه فالتمثيل النيابي ليس منحة ولا وراثة ولا مكافأة ولاء بل أمانة ومسؤولية لا يحملها إلا القادرون على حملها لأن البرلمان ليس تجمعاً للنخب الاجتماعية أو وكراً للباحثين عن الحصانة بل هو المنصة التي تصنع مستقبل الدولة وحين يُدار هذا البرلمان من دون الكفاءات تتحول القوانين إلى نصوص عرجاء وتضيع الرقابة وسط مجاملات ويصبح صوت الشعب ممثلاً بأشخاص لا يعرفون عن همومه شيئاً فإقصاء الكفاءات خيانة صامتة وتهميش الكفاءات في تشكيل مجلسي الشيوخ والنواب لا يضر فقط بمن تم إقصاؤهم بل يضر الوطن بأكمله إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للعقول المصرية الناضجة وتحقيق برلمان يعبر بحق عن تطلعات الشعب ويقود مسيرة التقدم لا أن يكون عبئاً عليها إذا كنا نريد برلماناً حياً لا شكلياً قوياً لا تابعاً ناطقاً باسم الشعب لا باسم المصالح فلابد أن تعود الكفاءة إلى الواجهة لابد أن تُفتح الأبواب للعقول لا للجيوب ففي نهاية المطاف الأمم التي تهمّش أبناءها المخلصين تدفع الثمن مرتين مرة حين تخسرهم ومرة حين ترى من انتخبتهم بالخطأ