الدكتورة فاتن فتحي تكتب.. التمريض المنزلي ورعاية مرضى الحروق ما بعد المستشفى


بين أروقة المستشفيات ووحدات العناية الفائقة، وجهود خارقة من الأطباء وطواقم التمريض يخوض مصابو الحروق معركتهم الأولى مع الألم، العدوى، الخطر الداهم الذي يهدد حياتهم . لكن المعركة الكبرى تبدأ بعد الخروج من المستشفى، حيث يصبح التمريض المنزلي الركيزة الأساسية لاستكمال رحلة الشفاء، واستعادة المريض لحياته الطبيعية.
فالحروق إصابة جسدية ونفسية معقدة حيث أنها تُعد من أكثر الإصابات شدة وتعقيدًا، خاصة إذا كانت من الدرجة الثانية العميقة أو الثالثة، وتشمل نسبة كبيرة من مساحة سطح الجسم (TBSA) ، فإلى جانب الألم والضرر الجلدي، تمتد المضاعفات إلى الجهاز المناعي، التوازن الحراري، الحالة النفسية، وحتى وظائف الأعضاء.
فبمجرد أن يُعلن الأطباء أن المريض "مستقر" ويُسمح له بالخروج من المستشفى، لا يعني ذلك انتهاء الخطر. فهناك مرحلة حرجة تبدأ فيها الرعاية المنزلية طويلة الأمد، وهنا يبرز دور التمريض المنزلي.
إن التمريض المنزلي مهمة ودور يتجاوز التغيير على الجروح إذ يُخطئ من يظن أن دور الممرض المنزلي لمصاب الحروق يقتصر على تنظيف الجرح أو تبديل الضمادات. الحقيقة أن دوره متعدد الأبعاد والوظائف ويتمثل في :
العناية الجراحية والمتابعة الدقيقة للجرح:تنظيف الجروح المعقدة بطرق معقمة،تغيير الضمادات المتخصصة (مثل Hydrocolloid أو Silicone mesh).، مراقبة علامات العدوى (احمرار، رائحة، إفرازات)، دعم عملية إعادة بناء الأنسجة ومتابعة التئام الجلد.
التحكم في الألم:إدارة جرعات الأدوية المسكنة حسب توصية الطبيب، تقديم دعم غير دوائي مثل الكمادات الباردة، والوضعيات المريحة، مراقبة أي أعراض جانبية للأدوية، ومنع التشوهات وتيبّس المفاصل،تنفيذ برامج تمارين يومية للمفاصل المحيطة بالحرق (بالتعاون مع أخصائي العلاج الطبيعي)، استخدام جبائر أو شرائط الضغط للحد من التليف والتقلصات، وتحفيز المريض على الحركة المبكرة والآمنة.
الدعم النفسي والاجتماعي: ويتمثل في تقديم الدعم العاطفي وتخفيف الصدمة النفسية، والتعامل مع مشاعر الخوف، القلق، الاكتئاب الناتج عن تغير شكل الجسم، ودعم أفراد الأسرة وتوجيههم لكيفية التعامل مع المريض.
التغذية العلاجيةمثل:مراقبة النظام الغذائي لضمان حصول المريض على السعرات والبروتينات اللازمة لإعادة بناء الأنسجة، والتعاون مع أخصائي تغذية لتقديم وصفات مناسبة وغنية بالعناصر الحيوية (زنك، فيتامين C، أرجينين.
التثقيف الصحي: تعليم المريض وأسرته كيفية العناية بالجرح في غياب الممرض، وشرح مواعيد الأدوية، وإشارات الخطر التي تستدعي الاتصال بالطبيب، وتدريبهم على التعامل مع الطوارئ مثل النزيف أو التحسس الدوائي.
لماذا التمريض المنزلي في حالات الحروق ضرورة وليست رفاهية؟
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن معدلات الانتكاسة وإعادة الإدخال للمستشفى بين مرضى الحروق قد تنخفض بنسبة تصل إلى 40% بوجود رعاية تمريضية منزلية منظمة.
كما تُظهر الدراسات أن التمريض المنزلي:يقلل من المضاعفات المزمنة مثل قرح الفراش وتيبس العضلات، ويسرّع عودة المريض إلى عمله أو دراسته، ويخفّض التكلفة الاقتصادية للرعاية مقارنةً بالإقامة الطويلة في المستشفى.
تحديات تواجه التمريض المنزلي في حالات الحروق من ذلك :نقص الكوادر المؤهلة: لا يزال كثير من مقدمي الخدمة يفتقرون للتدريب المتخصص في حروق ما بعد المرحلة الحادة،
ضعف التوعية المجتمعية:حيث لا يدرك كثير من الأسر أهمية التمريض المنزلي، ويرون فيه رفاهية لا ضرورة.
تكلفة الخدمة في القطاع الخاص: في غياب تأمين صحي يغطي الرعاية المنزلية، قد تصبح الخدمة مكلفة للبعض.
كلمة أخيرة.. الاستثمار في الشفاء الإنساني، فحين ينجو إنسان من لهب حرق شديد، يكون قد خرج من النار إلى اختبار آخر لا يقل صعوبة: كيف يسترد إنسانيته وهيئته ووظيفته وثقته بنفسه؟.. وهنا، لا يكون الطبيب وحده هو المنقذ، بل إن الممرض المنزلي هو الجسر بين الألم والشفاء، بين الخوف والأمل، بين الندبة والتعافي.
فإذا أردنا فعلاً نظامًا صحيًا متكاملًا، علينا أن نضع التمريض المنزلي في مقدمة أدواتنا، لا سيما مع الحالات المعقدة مثل الحروق، حيث تكون الرعاية اليومية الدقيقة، واللمسة الإنسانية، هي الفرق بين مجرد النجاة... والشفاء الحقيقي.