خالد مصطفى يكتب: على أبواب الشيوخ

تشكل انتخابات مجلس الشيوخ محطة مهمة في الحياة السياسية المصرية رغم أن هذا المجلس يُعد في ترتيب السلطات التشريعية بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان إلا أن دوره السياسي والاجتماعي أكبر من ذلك بكثير ويمتد تأثيره إلى عمق الشارع المصري سياسياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً نظراً لأن المجلس يمثل نخبة من المفكرين والشخصيات العامة ورجال القانون والأحزاب والمستقلين وهو يُعد بمثابة بيت الخبرة التشريعي الذي يعيد صياغة الكثير من القوانين ويمنح الحياة النيابية في مصر مزيداً من العمق والتخصص ولذلك فإن عملية انتخاب أعضائه لا تمر دون أثر كبير في الساحة السياسية حيث تنشط الأحزاب والحركات السياسية والمرشحون في المحافظات والقرى مع بدء العملية الانتخابية وتتحول الساحات العامة إلى منصات حوار ونقاش وتعود السياسة مرة أخرى لتناقش في الشوارع والمقاهي والبيوت مما يساهم فى خلق حالة من الحراك السياسي الذي ينعكس على وعي المواطن المصرى لأن الانتخابات تُظهر حجم القواعد الشعبية لكل حزب أو تيار وتكشف عن تراجع البعض أو تصاعد آخرين وهو ما يجعل الانتخابات مؤشراً على توجهات الرأي العام ومدى قبول أو رفض بعض السياسات الحكومية أو الوجوه السياسية وغالباً ما تشهد حملات الشيوخ استخدام خطاب شعبوي موجه للفئات الشعبية وقد يُستغل ذلك في التأثير على هذه الفئات بوعود غير واقعية لكن في الوقت نفسه فإن هذه الفئات تبدأ في فهم قيمة الصوت الانتخابي ويزداد وعيها مع كل دورة تتحول انتخابات الشيوخ إلى ساحة للتنافس بين العائلات والقبائل فى كثير من الدوائر خاصة فى الصعيد والدلتا وهو ما يُعيد تشكيل التحالفات التقليدية ويؤثر على العلاقات الاجتماعية لكن للأسف في بعض الحالات تحاول جماعات متطرفة أو محظورة كالإخوان والجماعات المنبثقة منها التسلل إلى المشهد الانتخابي من خلال دعم مرشحين غير مباشرين
أو استخدام أدوات دعاية خفية لذا نطالب الأجهزة الأمنية والمجتمعية
إلى اليقظة وتوخى الحذر لذا فإن القوانين المصيرية والمرتبطة بالاقتصاد الحريات الإعلام والشباب تمر عبر هذا المجلس وبالتالي فإن تركيبته تؤثر مباشرة في السياسات العامة وعندما تُجرى انتخابات الشورى بنزاهة وشفافية فهي تدعم مسار التحول الديمقراطي وتؤكد على إرادة الدولة في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات وفى حالة وجود نواب من خلفيات وطنية وخبرات حقيقية داخل المجلس يُعيد الثقة إلى المواطن ويؤكد بأن صوته يمكن أن يحدث فرقاً لأن انتخابات مجلس الشورى في مصر رغم طابعها الاستشاري والدستوري واحدة من أبرز المراحل التي تكشف عن شكل التفاعل الشعبي مع السياسة وتفرز اتجاهات المجتمع وتعكس مدى نضج الدولة سياسياً وديمقراطياً فهي ليست مجرد سباق انتخابي بل أداة عميقة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي وتجديد الطبقة السياسية وبوصلة لقراءة المشهد المصري الحقيقي فيعود المشهد السياسي إلى الأحياء والقرى والنجوع مع بداية فترة الدعاية الانتخابية وتُفتح أبواب النقاش مجدداً حول قضايا الدولة الحقوق التنمية الهوية والانتماء ويتحول المواطن من متلق سلبي إلى فاعل سياسي ولو ليوم واحد وهو ما يُعيد تشكيل علاقة المواطن بالسلطة وتظهر الانتخابات بوضوح من هي القوى القادرة على الحشد
من يملك قواعد جماهيرية حقيقية
من تراجع حضوره ومن تسلل إلى المقاعد الخلفية للسياسة فالمعركة الانتخابية رغم كل ما يعتريها من أخطاء هي أداة لفرز الوعي وفرز النخب رغم ذلك لا يمكن إنكار أثر المال السياسي في العديد من الدوائر حيث تُستخدم الأموال كوسيلة ضغط على الطبقات المهمشة لكن الأهم أن هناك وعياً متنامياً بين الشباب في بعض المناطق يرفض هذه الأساليب ما يعني أن المجتمع بدأ يتشكل من جديد على أسس أقل فساداً فالانتخابات فرصة لإخراج الطاقات الكامنة في القرى والعائلات والعشائر وتكشف عن صراعات اجتماعية لكنها أيضاً تُعيد صياغة روابط الانتماء وتحول المواطن إلى فاعل حتى لو تم شراء الأصوات في بعض الحالات فالمواطن لو شعر للحظة أنه يُستهدف يُحاور ويُخطب وده هذا في حد ذاته خطوة أولى نحو وعي سياسي ناضج لكن هناك تخوف واضح وملحوظ من تسلل تيارات متطرفة تحت غطاء مستقلين أو عائلات فهذه المحاولات محاولات لبعض تلك الكيانات تعتبر استغلال للمجلس لتمرير أجندات خفية وهذا ناتج عن تقاعس بعض الأحزاب عن تقديم كفاءات حقيقية واللجوء إلى رموز المصالح ورغم هذه المخاوف فإن وعي الدولة ويقظة الشارع وتنامي دور الإعلام في الكشف عن هؤلاء أصبح حصناً ضد الانزلاق في سيناريوهات الفوضى أو التسلل السياسي المدمر فانتخابات مجلس الشيوخ ليست مجرد استحقاق دستوري بل هي مرآة لحالة الشارع المصري ومؤشر لمدى نضجه السياسي كما أن نتائجها تعكس شكل التحالفات القادمة وتؤثر على قرارات السلطة التنفيذية من هنا فإن كل دورة انتخابية لهذا المجلس تكتب فصلاً جديداً في الحياة العامة المصرية وتمنح الشارع فرصة ليقول كلمته ليس فقط عبر التصويت ولكن عبر المشاركة والنقد والمحاسبة فالشارع المصري قد يصمت لكنه لا ينسى قد يُخدع مرة لكنه
لا يُخدع مرتين قد يصبر لكنه لا يفرط في حقه إلى الأبد إن انتخابات مجلس الشيوخ ليست نهاية بل بداية لمعادلة جديدة فمن يحترم صوت الناس يصعد ومن يحتقر وعيهم
يسقط ولو بعد حين وفي نهاية المطاف فإن المقعد الذي لا يستند إلى شرعية الناس هو مقعد هش مهما ارتفع وسستبقى الانتخابات هي صوت الوطن في لحظة الحقيقة إما أن يكون الصوت حراً فيكتب على صفحات التاريخ أو أن يكون مُشترى فيكتب في هامش الخديعة
لإن مجلس الشيوخ هو المعبر عن عمق الدولة
لا عن سطحها لا تصعد الوجوه إلى المجلس
إلا إذا عرف الشارع كيف يختار وعرفت الدولة كيف تحمي الاختيار