د. نرمين زهرة تكتب: التضخم والإصلاحات الاقتصادية.. رحلة التعافي بين التحديات والفرص

تشهد مصر تحولات اقتصادية جذرية في السنوات الأخيرة، حيث تواجه ارتفاعًا حادًا في معدلات التضخم وضغوطًا معيشية متزايدة، بينما تنفذ الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الطموحة. وفي خضم هذا المشهد، يحاول المواطنون التكيّف مع تقلبات الأسعار، بينما تسعى الدولة إلى تحقيق توازن دقيق بين استقرار المالية العامة وحماية الفئات الهشة.
التضخم: المفهوم والأسباب
يعرّف التضخم بأنه الارتفاع المستمر في مستويات الأسعار لفترة زمنية طويلة، وينتج عادةً عن اختلالات بين العرض والطلب، أو ارتفاع تكاليف الإنتاج، أو تغيرات في السياسات النقدية مثل التوسع في طباعة النقود أو تخفيض قيمة العملة.
وفي مصر، تفاقم التضخم بسبب عوامل خارجية كالتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، وأخرى داخلية مثل انخفاض قيمة الجنيه المصري، ونقص العملة الصعبة، والاعتماد الكبير على الواردات.
تطور التضخم في مصر: من الذروة إلى الانتعاش
سجل التضخم أعلى معدل له في سبتمبر 2023 بنسبة 38%، مما أثر سلبًا على القوة الشرائية للأسر. غير أن الإصلاحات الحكومية أسهمت في تراجعه إلى 14.9% بحلول يونيو 2025، وفقًا للبيانات الرسمية، مما يعكس تحسنًا تدريجيًا في الأداء الاقتصادي.
مؤشرات الاقتصاد الكلي: بين التضخم والنمو
- انخفاض التضخم: تراجع المعدل السنوي إلى 14.9% في يونيو 2025 مقارنة بـ 16.8% في مايو، بينما هبط التضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) إلى 11.4%.
- تعافي النمو الاقتصادي: قفز النمو إلى 4.8% في الربع الثاني من 2025، مقارنة بـ 2.4% قبل عام، مع توقعات بنمو 3.8% للعام المالي 2024/2025.
السياسات النقدية: بين كبح التضخم وتحفيز النمو
أبقى البنك المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير (24% للإيداع و25% للإقراض) في يوليو 2025، رغم تراجع التضخم، بهدف دعم التعافي الاقتصادي. كما خفض الفائدة مرتين منذ أبريل 2025 بإجمالي 325 نقطة أساس لتحفيز النشاط الاقتصادي.
الدعم الدولي وبرامج الإصلاح
- حصلت مصر على تمويلات من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، مع صرف 1.2 مليار دولار في مارس 2025.
- وافق الصندوق على تخصيص 1.3 مليار دولار من برنامج المرونة والاستدامة لدعم مشروعات المناخ.
- قدّم الاتحاد الأوروبي حزمة تمويلية بقيمة 5 مليارات يورو (صُرف منها مليار) لدعم الإصلاحات المالية.
مشروعات كبرى: محركات النمو المستقبلي
- مدينة جريان الصحراوية: مشروع استراتيجي للاستزراع والتنمية العمرانية.
- مدينة منصورة الجديدة: باستثمارات 3.7 مليار دولار، تستهدف استيعاب 1.5 مليون نسمة.
- المدينة الخضراء بالعاصمة الإدارية: بمساحة 2,509 هكتار، وبتكلفة 600 مليون دولار.
- مونوريل القاهرة: بطول 96 كم، ويُتوقع تشغيله عام 2025.
- محطة الضبعة النووية: باستثمار 28.8 مليار دولار، وطاقة 4,800 ميجاوات.
- مشروعات الطاقة المتجددة: مثل محطة شمسية بقدرة 1 جيجاوات، ومشروع رياح بـ 900 ميجاوات.
- مشروع رأس الحكمة: بتكلفة 110 مليار دولار، يشمل مطارًا ومنطقة سياحية.
الإصلاحات الاقتصادية: خطوات جريئة
- تحرير سعر الصرف: لتعكس العملة قيمتها الحقيقية في السوق.
- إعادة هيكلة الدعم: لتحسين استهداف الفئات الأكثر احتياجًا.
- رفع أسعار الفائدة: لامتصاص السيولة ومكافحة التضخم.
- جذب الاستثمار الأجنبي: عبر خصخصة أصول حكومية وتحسين مناخ الأعمال.
تأثير الإصلاحات على المواطن
رغم المؤشرات الإيجابية، لا يزال المواطن يعاني من ارتفاع الأسعار، خاصة في السلع الأساسية، مما يزيد الضغوط على الطبقتين المتوسطة والفقيرة، ويُجبر الكثيرين على إعادة ترتيب أولوياتهم المالية.
الفرص المتاحة
- تعزيز الإنتاج المحلي كبديل للاستيراد.
- التحول الرقمي وانتشار الخدمات المالية الإلكترونية.
- استعادة ثقة المستثمرين بفضل الإصلاحات الهيكلية.
- انتعاش السياحة مع تحسن الاستقرار الاقتصادي.
الخاتمة
يواجه الاقتصاد المصري تحديًا معقدًا في موازنة الإصلاحات الاقتصادية مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ورغم النجاح في خفض التضخم، تبقى الأولوية لتحسين معيشة المواطن عبر سياسات أكثر شمولًا، تعزز الإنتاج المحلي، وتدعم الفئات الهشة، وتضمن استدامة النمو. فالإصلاح الحقيقي يُقاس ليس بالأرقام فحسب، بل بتأثيره الملموس على حياة الناس.