خالد مصطفى يكتب: الأحزاب والإهمال المتعمد للمصريين في الخارج

في الوقت الذي يتفاخر فيه الساسة والأحزاب بدور الجاليات المصرية في الخارج كقوة ناعمة وداعم اقتصادي وسياسي لمصر يتكشف للجميع واقع مختلف تماماً تعيشه هذه الجاليات قوامه الإهمال المتعمد والتجاهل التام من كل الأحزاب السياسية التي تُفترض فيها المسؤولية الوطنية تجاه كل مصري داخل الوطن أو خارجه فبرغم كل الشعارات التي ترفعها الأحزاب السياسية في مصر عن الوطنية والولاء والمشاركة يتكشّف وجهها الحقيقي في واحدة من أكثر القضايا خذلاناًلأن إهمال المصريين في الخارج يؤثر على الملايين من أبناء الوطن الذين يعيشون في دول العالم حيث يدفعون من جهدهم وعرقهم في الغربة ويحولون أموالهم لأهاليهم ويدافعون عن صورة مصر فى الخارج لكن في المقابل تُغلق في وجوههم كل أبواب الأحزاب وتُترك ملفاتهم دون تمثيل حقيقى وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية فليست الكارثة أن تُهمَّش فئة وطنية عن المشهد السياسي الكارثة أن تكون هذه الفئة هي ملايين المصريين بالخارج الذين يدفعون ثمن حبهم لمصر كل يوم من غربتهم وحنينهم وتضحياتهم وفي المقابل لا يجدون من الأحزاب المصرية سوى التجاهل المتعمد والنسيان المقصود والتعامل معهم كأنهم خارج حسابات الوطن حيث يُقدَّر عدد المصريين المقيمين بالخارج حوالى 14 مليون مواطن يسهمون سنوياً بمليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني عبر تحويلاتهم المالية فضلاً عن أدوارهم المؤثرة في الدبلوماسية الشعبية وتعزيز صورة مصر في بلدان المهجر ونقل الخبرات والعلاقات الاقتصادية والعلمية لكن على الرغم من ذلك
لا تملك أغلب الأحزاب المصرية برامج واضحة للتواصل معهم أو خططاً لإشراكهم فعلياً
في صنع القرار أو حتى مجرد رؤية للاستفادة
من خبراتهم وتخصصاتهم
وعندما حاولت بنفسى طرق أبواب الأحزاب لم أجد آذان صاغية أو مهتمة للمخاطر التى تحاك بمصر فى الخارج لم أجد صوتاً عاقلاً يمتلك الوطنية الكافية للإهتمام بالمصريين فى الخارج لكنى وجدت شخصيات كرتونية تتهيأ للترشح ليس لها أى علاقة بالخارج ولا تعلم أى شيئ عن ملايين المصريين فى العديد من دول العالم
فأين هم ممثلو المصريين في الخارج داخل الأحزاب و إن تذكرتهم الأحزاب فإنها تكتفي بتعيين رمزي أو شكلي لأشخاص غير مؤثرين فعلياً داخل المجتمعات بالخارج ولا يحملون تفويضاً شعبياً حقيقياً ويتم استغلال هذه المناصب غالباً في سياقات العلاقات العامة
لا أكثر حيث يتكرر هذا المشهد مع كل استحقاق انتخابي تتسابق فيه الأحزاب للتواصل مع المصريين بالخارج من خلال حملات دعائية صاخبة ووعود رنانة ثم ما تلبث أن تختفي هذه الأحزاب وتُغلق ملفات الجاليات وكأنهم لم يكونوا فهذا الاستخدام الموسمي يُسقِط مصداقية هذه الأحزاب ويجعل من العمل السياسي مجرد أداة انتهازية لا تعكس وطنيتها الحقيقية أو إدراكها لقيمة المصريين بالخارج
إن أحد أهم و أكبر ملفات الإهمال هو سكوت الأحزاب عن قضايا الانتهاكات التي يتعرض لها المصريون في بعض الدول سواء من أرباب العمل أو من أنظمة الإقامة أو حتى في حالات الترحيل التعسفي أو التمييز لا نجد حزباً يرفع الصوت دفاعاً عن هؤلاء أو يتبنى ملفاً واحداً
قد يعكس أى مسؤولية وطنية لتلك الأحزاب
فيجب على الأحزاب إنشاء أمانات قوية للجاليات المصرية في الخارج تكون لها صلاحيات فعلية وميزانيات حقيقية تكون مرآه لدمج الكفاءات المصرية بالخارج في صنع السياسات الداخلية وليس فقط كمظهر دعائي و الدفاع عن حقوق المصريين بالخارج بشكل مؤسسي وخلق تواصل حقيقي مع السفارات والقنصليات
و تمكين المصريين بالخارج من التأثير الحزبي بما في ذلك تمثيلهم في المؤتمرات والانتخابات الداخلية ففي كل استحقاق انتخابي تظهر الأحزاب فجأة وتتودد للمصريين بالخارج
حيث تطلق حملات ووعوداً وأكاذيب ثم تختفي بمجرد انتهاء الصناديق ان هذه العلاقة الانتهازية لم تعد تُخدع بها الجاليات التي باتت تدرك أنها ليست أكثر من رقم انتخابي وليس لها موضع قدم في القرار الحزبي أو السياسي حيث لا خطط واضحة لإدماج المصريين بالخارج في الحياة الحزبية حتى هذه اللحظة
فلا توجد كوادر حقيقية تمثلهم داخل الهياكل الحزبية و لا تواصل فعّال أو حتى قناة مفتوحة معهم فالحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح ان الأحزاب المصرية بغالبيتها، لا تؤمن بوزن المصري في الخارج ولا ترى فيه شريكاً بل مجرد أداة دعائية ولذلك
لا عجب أن تُترك مشاكله بدون حلول وأن تغيب صورته عن مؤتمراتهم وأن يُقصى عن دوائر التأثير لا لسبب سوى أنه يعيش خارج الحدود يا أيها الأحزاب
ان المصري بالخارج ليس غريباً بل هو مصري حتى النخاع وطني أكثر من كثير ممن يملأون الشاشات والبرلمانات له الحق الكامل في أن يكون شريكاً في القرار صانعاً للسياسة ممثلاً
عن صوته وصوت من مثله لا مجرد حضور رمزي في أوراق الدعاية الانتخابية فيجب إنهاء الإقصاء السياسي للمصريين في الخارج وتمكينهم فعلياً داخل الأحزاب فهم الأطباء في أوروبا والمهندسون في الخليج والعمال في آسيا والأساتذة في بريطانيا وأمريكا والطلاب في روسيا وفرنسا وألمانيا والروّاد في إفريقيا
يحوّلون مليارات لمصر، ويدافعون عن صورتها ويصوتون وقت الانتخابات ويقفون مع الدولة في المحن لكنهم بالمقابل يُستبعدون سياسياً ويُنسَون حزبياً ويُقصون وطنياً ان ما لم تُدركه الأحزاب أن إقصاء المصريين في الخارج هو خيانة للثروة البشريةًواستهانة بواحد من أهم الموارد الوطنية غير المستغلة لقد تحوّلت الأحزاب في مصر إلى نوادى مغلقة من المحاسيب والواجهات الإعلامية بينما أبناء الجاليات يُحرمون من التمثيل والمشاركة والتأثير وكأن صوتهم بلا قيمة إلا يوم التصويت
ان إهمال الأحزاب المتعمد للمصريين في الخارج ليس فقط خطأ سياسياً بل خيانة لفكرة الوطن الشامل لأن المصري بالخارج ليس صوتاً انتخابياً فقط بل طاقة وطنية هائلة تستحق أن تُحترم وتُحتضن وتُشارك وعلى الأحزاب أن تتغير أو تُحاسب فهذا الإهمال خيانة للصوت الوطني واغتيال للانتماء فالأحزاب التي تتجاهل المصريين بالخارج ترتكب جريمة سياسية مكتملة الأركان، عنوانها الخيانة الصامتة فإهمال ملايين المصريين من أصحاب الوعي والكفاءة والانتماء يعني تجاهل مستقبل مصر نفسه وإن لم تكن الأحزاب تقدر هذا الدور فلتترك الساحة لمن يعرف قدر المصري داخل مصر أو خارجها فليست الكارثة أن تُهمَّش فئة وطنية عن المشهد السياسي الكارثة أن تكون هذه الفئة هي ملايين المصريين بالخارج الذين يدفعون ثمن حبهم لمصر كل يوم من غربتهم وحنينهم وتضحياتهم وفي المقابل لا يجدون
من الأحزاب المصرية سوى التجاهل المتعمد والنسيان المقصود والتعامل معهم كأنهم خارج حسابات الوطن فأي حزب لا يُعطي المصري
في الخارج صوتاً لا يستحق أن يكون له صوت
في الداخل وأي سياسة تُقصي من ضحّى لأجل بلده فهي ليست سياسة وطنية بل سياسة تملؤها الأنانية لأن إهمال المصريين بالخارج ليس مجرد تقصير حزبي بل هو طعنة في قلب مصر الممتد عبر قارات العالم