”أكاديمية تحوت: مدرسة الحكماء في طيبة”


في قلب مدينة طيبة، وعلى ضفاف نهر النيل، حيث ترتفع المسلات وتلمع المعابد تحت شمس مصر الأبدية، كانت هناك مدرسة لا يُسمع عنها في النقوش ولا تُذكر في التمائم... اسمها: أكاديمية تحوت، المدرسة التي لا يدخلها إلا من خُطَّ اسمه في بردية النبوغ.
اختيار الأذكياء:-
في كل عام، يخرج الكاهن الأكبر من معبد آمون، حاملًا "بردية الكشف"، ملفوفة بإحكام، لا يعلم ما فيها إلا الكهنة وكاتبو الأسرار. تسير البردية من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ليُختبر أطفال مصر في أربعة علوم: اللغة الهيروغليفية، وحساب الظلال، وفلسفة الماعت، وعلم النجوم.
من ينجح في هذه الاختبارات، يُنقل إلى طيبة، ليلتحق بأكاديمية تحوت، التي لا جدران لها، بل تقع بين أعمدة معبد قديم، حيث تُعلِّم الطبيعة، ويُصغي النيل، وتكتب الطيور دروسها على الماء.
اقرأ أيضاً
4 تخصصات فى المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب لطلاب الإعدادية بالإسكندرية
وزير الاتصالات يلتقى بالمتقدمين للإلتحاق بمبادرة ” الرواد الرقميون” فى بداية إختبارات القبول بمقر الأكاديمية العسكرية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة
قبول دفعة جديدة بالأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية للطلبة من حملة الثانوية العامة والثانوية الأزهرية والشهادات المعادلة
الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم مراسم الإحتفال بتخرج دورات تدريبية جديدة من العاملين بوزارتى النقل والمالية بعد إنتهاء فترة تأهيلهم
تحت رعاية وزير الثقافة.. انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس وتعيين إدارة تنفيذية جديدة
المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحى بالإسكندرية تعلن عن فتح باب التقديم للحاصلين علي الإعدادية
رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد تخرج دورات جديدة من دارسى الأكاديمية العسكرية
غرفة صناعة التكنولوجيا CIT ””توقع مذكرة تفاهم مع ”هواوي” لتأسيس أكاديمية لتأهيل 1000 متدرب
”محبو مصر القديمة” تضيء سماء روما في أمسية فنية وثقافية بالأكاديمية المصرية للفنون
المركز الثقافي الكوري يفتتح أكاديمية الكي بوب والكوجاك بالتعاون مع أكاديمية الفنون
محافظ الشرقية يتفقد لجان إمتحانات الثانوية العامة بمدرسة الناصرية الإعدادية المشتركة بمدينة الزقازيق
”المجلس الصحي المصري” يعتمد ”أكاديمية 57357” للتدريب لمدة 4 سنوات
معلمو النور:-
كان معلمو الأكاديمية يُسمّون بـ"سادة النور"، وهم لا يُدرِّسون بالطباشير أو الألواح، بل بـالرموز، والأسئلة، والتجربة الحية. فمثلًا، إذا أرادوا تعليم الطالب العدالة، أرسلوه ليحلّ خلافًا بين مزارعين. وإذا أرادوا تعليمه الفلك، جعلوه ينام تحت السماء لليالٍ متتابعة، حتى يفهم حركات الكواكب من نفسه. أما معلم الفلسفة، فكان اسمه "آني رع"، رجل هادئ الصوت، يرد على السؤال بسؤال، ويقول دومًا: "المعلّم لا يعطيك الحقيقة، بل يعلّمك أن تراها."
الفتاة التي غيّرت كل شيء:-
وفي العام الثالث من حكم الفرعون "تحتمس نبو رع"، التحقت فتاة تُدعى "نفر حتب" بالأكاديمية. لم تكن من أبناء النبلاء، بل ابنة نحّات حجارة في الأقصر. لكن ذكاءها وإصرارها جعل الكهنة يندهشون. كانت تسأل عن كل شيء، وتدون على ورق البردي أفكارها حول تعليم الفقراء والنساء. تنبّأ المعلمون بأنها "نجمة الحكمة"، لكن بعض النبلاء اعترضوا: "كيف تُعلّم فتاة الطبقات الدنيا في مدرسة الحكماء؟". فردّ عليهم المعلم "آني رع" قائلاً: "النهر لا يميز بين من يشرب منه. الحكمة كذلك."
نظام التعليم في الأكاديمية:-
في أكاديمية تحوت، لم يكن هناك صفوف أو درجات، بل "دوائر معرفية". الطلاب يتنقلون بينها:
- دائرة الكلمة: حيث يتعلمون أسرار الهيروغليفية والشِعر المقدّس.
- دائرة الميزان: لدراسة أخلاق الماعت، والعدل، والتربية على السلوك.
- دائرة النجوم: لتعلّم الفلك والتقويم والوقت الزراعي.
- دائرة اليد: لتعلّم حرفة يدوية، لأنهم يؤمنون أن "المعلم الحقيقي يعمل بيديه".
كل طالب لديه "رفيق ظل" — معلم يتبعه ويُرشده، لكنه لا يتدخل إلا عند الحاجة.
الامتحان الأكبر:-
في السنة الأخيرة، يُعرض على كل طالب مشروع يُظهر فيه ما تعلمه. لا يُقاس بالدرجات، بل بتأثيره.
أما "نفر حتب"، فقد ابتكرت شيئًا غير مسبوق: مدرسة متنقلة من القش والخشب، تسير مع المزارعين من حقل إلى حقل، وتعطي الأطفال تعليمًا مجانيًا. دهش الفرعون عندما سمع بالفكرة، وأمر بنسخ فكرتها في كل أقاليم مصر.
النور الذي لم ينطفئ:-
بعد سنوات، أصبحت "نفر حتب" أول امرأة تقود الأكاديمية، ودوّنت أول "كتاب تربوي" بعنوان:
"القلب أولًا: كيف نعلّم بالحب لا بالخوف" وما زال بعض الباحثين يقولون إن ذلك الكتاب ألهم أفلاطون لاحقًا في فكرته عن "المدينة الفاضلة". أما أكاديمية تحوت، فقد اختفت مع الزمن، ولم يبق منها إلا أسطورة تقول: "حين يحتاج العالم لحكمة جديدة، ستُفتح أبواب الأكاديمية من جديد، ويُبعث معلمو النور."
خاتمة:-
هذه ليست مجرد قصة من مصر القديمة، بل دعوة لإعادة تخيّل التعليم كفنٍّ، وكوسيلة لبناء إنسان حرّ، عادل، متسائل، لا يسير في الطابور، بل يبحث عن النور.
قصة قصيرة بقلم : الدكتور ناصر الجندي