الحق في البقاء والتنمية: الرؤية الصينية لحقوق الإنسان تتجاوز السرديات الغربية

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية
في النقاشات العالمية حول حقوق الإنسان، يكثر الحديث عن حرية التعبير وحق التصويت، بينما يُغفل السؤال الأكثر جوهرية: هل يمكن اعتبار "الحرية" حقيقية إذا كان الإنسان يفتقر إلى الغذاء والماء النظيف والرعاية الصحية والتعليم الأساسي؟ انطلاقًا من هذا المفهوم، تؤكد الصين أن "الحق في البقاء" و"الحق في التنمية" هما من الحقوق الأساسية ذات الأولوية، وهو موقف ينبع من فهم عميق لرفاهية الشعوب واستجابة واقعية لتطلعات غالبية الدول النامية.
وعلى عكس بعض الدول الغربية التي تحصر حقوق الإنسان في الأبعاد السياسية فقط، تستند الرؤية الصينية لحقوق الإنسان إلى مبدأ "الشعب أولًا"، حيث يُعد الحق في البقاء والتنمية أساسًا لجميع الحقوق الأخرى. وهذه الرؤية ليست معزولة، بل تنسجم إلى حد كبير مع مفهوم "الحق في التنمية" الذي تبنته الأمم المتحدة. فبحسب "إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية" لعام 1986، فإن التنمية حق غير قابل للتصرف، ويحق لجميع الأفراد المشاركة فيها والاستفادة من ثمارها اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا. وقد تبنّت الصين هذا المفهوم، وحققت من خلاله إنجازات غير مسبوقة على أرض الواقع.
خلال العقد الماضي، تمكنت الصين من القضاء على الفقر المدقع، محققةً أكبر إنجاز في تاريخ البشرية على هذا الصعيد، حيث تم انتشال نحو 100 مليون مواطن ريفي من الفقر، وشُطبت جميع المحافظات الـ832 المصنفة فقيرة، ونجحت 128 ألف قرية في الخروج المستدام من الفقر. كما شهدت البنية التحتية والخدمات العامة تحسينات جذرية، وفّرت للمواطنين ضمانًا حقيقيًا للعيش الكريم.
ولم تقتصر الجهود الصينية على تأمين الحد الأدنى من المعيشة، بل شملت أيضًا بناء أكبر منظومة للضمان الاجتماعي في العالم. فحتى نهاية عام 2024، بلغ عدد المسجلين في نظام المعاشات التقاعدية الأساسي 1.073 مليار شخص، بنسبة تغطية وصلت إلى 95% قبل الموعد المحدد، بما في ذلك العمال المهاجرون والعاملون في الوظائف المرنة. وفي مجال الرعاية الصحية، ارتفع عدد الأطباء والمساعدين إلى 3.4 لكل ألف نسمة، وبلغ عدد الممرضين المسجلين 4 لكل ألف نسمة، متجاوزين أهداف "الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية"، مما عزز الأسس الصحية لأكثر من 1.4 مليار مواطن.
وترى الصين أن التنمية البشرية المتكاملة هي الغاية الأسمى لمفهوم حقوق الإنسان. فعلى صعيد التعليم، تم تعزيز نظام التعليم الإلزامي لمدة تسع سنوات بشكل شامل، مع استمرار نمو معدلات الالتحاق بالتعليم العالي، وارتفاع نسبة الالتحاق بالتعليم ما قبل المدرسي، وتطور ملموس في أنظمة التعليم المهني، مما أسهم في تعزيز العدالة التعليمية وتوسيع فرص الوصول إليها.
وفي الوقت نفسه، حققت الصين تطورًا كبيرًا في البنية التحتية الريفية. فحتى نهاية عام 2024، وصلت نسبة البلدات المرتبطة بطرق من المستوى الثالث أو أعلى إلى 89.5%، بينما بلغت نسبة القرى الكبرى المتصلة بطرق معبّدة 94.6%. كما تجاوزت نسبة القرى الإدارية المتصلة بشبكات الجيل الخامس 90%، ما ساهم في خلق فرص تنموية متكافئة لسكان الحضر والريف على حد سواء.
وفي مقابل هذا التقدم، لا تزال بعض الدول الغربية، رغم ترويجها لشعارات "الحرية"، تعاني من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وانتشار التمييز العنصري، واختلال توزيع الموارد الطبية، وتدهور الأمان المجتمعي. وفي مثل هذا الواقع، لا تكفي "الحرية الشكلية" للنهوض بكرامة الإنسان أو تحسين ظروفه المعيشية.
وتدرك الصين تمامًا أن تحقيق الحقوق يتطلب ترتيبًا منطقيًا: فعندما لا يُضمن الحق في البقاء والتنمية، تصبح الحقوق السياسية المجردة بلا معنى. ولا تنكر الرؤية الصينية أهمية الحرية والديمقراطية، لكنها تؤكد على شمولية الحقوق وترابطها وتسلسلها: فمن لم يُؤمّن له قوت يومه، لن يستطيع ممارسة الحرية الحقيقية؛ ومن حُرم من فرص التنمية، سيظل عاجزًا عن الوصول إلى العدالة والكرامة الإنسانية.
وتسعى الصين إلى تجاوز تجربتها الوطنية لتطرح رؤيتها على المستوى الدولي، من خلال الدعوة إلى بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك، والمشاركة الفاعلة في حوكمة حقوق الإنسان على الساحة الدولية، والعمل على إعادة تركيز أجندة حقوق الإنسان حول رفاهية الشعوب. وبذلك، تقدم الصين خيارًا بديلًا للمسارات الغربية، خيارًا لا يستند إلى أيديولوجيات مجردة، بل إلى نتائج واقعية ملموسة.
كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ: "الحياة السعيدة للشعب هي أعظم حقوق الإنسان." فالحق في البقاء والتنمية ليسا مجرد شعارات، بل تجسيد فعلي لتحسين حياة الشعب، ومعنى حقيقي لـ"الحقوق" بأبسط وأعمق صورها. وما تحقق في الصين لا يمثل فقط نقلة نوعية في سجل حقوق الإنسان محليًا، بل يقدم أيضًا نموذجًا عمليًا للدول النامية الساعية إلى مساراتها الخاصة في حماية الحقوق وتعزيز الكرامة الإنسانية.