الخميس 10 يوليو 2025 03:51 مـ 14 محرّم 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

السادة النواب.. عفواً رصيدكم الحالي لا يكفي لتجديد الثقة

ثقة الشارع نفذت، وباتت بلا رصيد، انتخابات النواب على الأبواب وما زلنا نعيش أزمة ثقة، يبدو أن معاناتنا مستمرة في شارع لم يعد حزين لأن حكومات كذبت عليه، بل لأنه لم يعد قادراً على تصديقها بعد اليوم، ثقة أضحت في أفضل حالاتها مزيفة كالنقود المزورة لا يتم كشفها إلا عند التعامل.

أزمة ثقة بين المواطنين ونوابهم في البرلمان بعد أن نسي الكثير منهم سبب وجوده، نواب لا نستطيع تغييرهم عبر الانتخابات لأننا بالأساس لم ننتخبهم، ازمة ثقة هناك إجماع عليها أنها لا يتم اكتسابها وإنما يتم منحها.

اقرأ أيضاً

أزمة ثقة تجاه غالبية "رجال الأعمال" والتجار ممن أتقنوا الاستثمار بمعاناة الناس، أزمة ثقة بين المواطن والموظف الحكومي الذي فتنته ألعاب ما تحت المكتب.

أزمة ثقة تجاه بعض "حراس" القانون حتى صار الناس لا يبحثون عن محامي يعرف القانون وإنما عن محامي يلعب بنصوص القانون.

أزمة ثقة تجاه ذلك الطبيب الذي حول مهنته الانسانية إلى تجارية.. تجاه الصيدلي الذي يتلاعب بأسعار الدواء كل ثانية.

أزمة ثقة تجاه معظم مهندسي ومتعهدي البناء ممن أصبحت رائحة المال تعنيهم أكثر من أرواح البشر، أزمة ثقة بين طالب ومعلم لم يعد يقدم ما لديه ضمن المدرسة طمعاً بحصة درس خصوصية.

أزمة ثقة بين الفلاح والسمسار الذي سمحت الحكومات المتعاقبة أن يكون الأول دائماً ضحية للثاني، أزمة ثقة بين الأولاد وأبيهم بعدما أصبح غير قادر على تلبية واجباته تجاههم.

أزمة ثقة بين الأم وطفلها الرضيع بعدما جف حليبها بسبب الفقر وسوء التغذية، أزمة ثقة بين عشاق أتقن بعضهم فنون الكذب.. أزمة ثقة بين البشر وعصافير صارت تخاف أن تحط على حتى على الشجر.

بالمختصر من يعتقد أن عودة ثقة الشارع بالحكومات ممكنة بدون الشفافية وتفعيل القانون وإعادة شحن الضمائر فهو واهم، من يعتقد أن عودة ثقة الشارع بأصحاب رؤوس المال ممكنة دون التخلي عن الجشع والأنانية أيضاً هو واهم.

بالمختصر، لأن ثقتي أغلى ما أملك فلن أضعها بعد اليوم بيد أشخاص لا يستحقونها، فأن تخسر أحداً بسبب المــوت أعتقد أنه أقل إيلاماً من خسارته بسبب انعدام الثقة.

مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب المصري، يعود المشهد الانتخابي إلى الواجهة، محمّلًا بالكثير من الترقب، والوعود، وربما الخيبات فمن جهة، هناك نواب حاليون يعودون إلى دوائرهم بعد غياب دام سنوات، راغبين في إعادة الترشح دون سجل حافل بالخدمة أو الإنجاز، ومن جهة أخرى، مرشحون جدد يظهرون على الساحة، يحملون آمالًا عريضة وخططًا قد تكون واعدة، لكنها تبقى في خانة الوعود، لا نملك ضمانًا على صدقها أو إمكانيّة تنفيذها.

أمام هذا المشهد المزدحم، يقف المواطن في حيرة شديدة.. هل يُعيد انتخاب من خذله سابقًا؟، أم يمنح صوته لوجه جديد لم يتلوث بدغدغة مشاعر البسطاء بكلام معسول ووعود زائفة؟

المنافسات في كثير من الدوائر لم تعد تنافسًا شريفًا على خدمة المواطن، بل تحوّلت إلى صراعات شخصية بعيداً عن الوجود الحقيقي في الدائرة، هل يعيش بين الناس؟ هل يشاركهم همومهم؟ هل كان له دور فعّال وقت الأزمات، بعيدًا عن الكاميرات؟

النائب لا يجب أن يكون نجمًا، بل صوتًا حقيقيًا في البرلمان ينقل هموم الناس بصدق وشجاعة، ويعرف كيف يدافع عنها بلغة القانون والدستور.

في النهاية، لا إصلاح سياسي بدون وعي شعبي، ولا برلمان قوي دون ناخب يملك قراره، ويدرك أثر صوته، فاختيار النائب ليس مجاملة، ولا طائفية، ولا رد جميل، هو عقد ثقة يمتد لأربع سنوات، إما أن يكون المواطن فيه رابحًا أو خاسرًا.

لذلك، علينا كناخبين أن نُحسن التفكير، ونتجاوز الضغوط، ونفكر في مصلحة أبنائنا قبل أن نضع علامة أمام اسم مرشح لا نعرفه أو لم نرَ منه إلا الكلام.

الحقيقة أن الدور البرلماني يشهد تغييباً شبه كاملاً لهذا الدور التمثيلي لحساب وظيفة بيروقراطية أقرب إلى التأييد الحكومي الدائم، لا الرقابة الشعبية.

الدور الحقيقي استقبال شكاوى المواطنين، وطرح مطالبهم على أجهزة الدولة، والسعي لحلّ مشاكلهم الخدمية والتنموية، والوجود الفعلي داخل الدائرة كصوت وممثل مباشر عن الشعب، بعيداً عن النواب الذين يختفون عن الأنظار بعد الانتخابات، ولا يفتحون مقارًّا لخدمة المواطن أو سماع مشاكله، ولا يشاركون في أي حوار مجتمعي إلا عند اقتراب موعد الانتخابات.

إن النائب الذي لا يسمع صوت الناس، لن يجد يومًا من يصوّت له بإخلاص، والبرلمان الذي ينفصل عن نبض الشارع، لن يشرّع إلا ما يعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، ولا بد أن نعيد بناء الثقة على أسس من الشفافية والتمثيل الحقيقي، وإلا ستظل العملية الانتخابية أقرب إلى مناسبات موسمية بدافع سد الخانة.

مجلس النواب الحكومة الشعب التجار الدوائر الثقة البرلمان الوطن الانتخابات البرلمانية