السبت 12 يوليو 2025 10:13 مـ 16 محرّم 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

الأراضي العربية بين النظرة الدينية والقومية عند اليهود.. أفكار مادية وأرض مقدسة

د. زينب المنسي

تجلت في ادبيات البروتستانت منذ القرن السابع عشر فكرة التعجيل بالظهور الثاني للسيد المسيح ومن ثم فقد اعتقد الكثير من منظريهم إنه يجب عليهم الإسراع بإنشاء وطن قومي يجمع اليهود ويعجل بفكرة العودة لارتباط فكرة العودة في العهد القديم بالظهور الثاني للمسيح وظل هذا الأمر مجرد افكار ونظريات من رجال دين ليكون إدخال النظرية مجال التطبيق على يد يهودي علماني.

وغير متدين بالمرة وهو تيودر هرتزل الذي تبني فكرة الوطن القومي لليهود لكن من منظور سياسي ومادي بحت لايمت للمدرسة البروستانتية أو أي دين باي صلة علاوة على أن هرتزل كان روسيا أو على الأقل تابع لروسيا القيصرية فلم يكن في إطار التأثير الثقافي البروستانتي الغربي .

لقد وجدت دعوى هرتزل هوي في نفوس اليهود الاوربيين خصوصا الشرقيين والروس منهم .

يبدو أن فكرة هرتزل وجدت هوي لدى القصر الانجليزي فمن ناحية ستخلصهم من الصداع اليهودي في أوروبا ومن ناحية ستحقق افكار البروتستانت وحاول الانجليز تحقيق مكسب ثالث باستغلال العقليات اليهودية التجارية في النهوض بالمستعمرات الانجليزية في إفريقيا لاسيما وأن عرض إنجلترا لليهود بإقامة وطن قومي لهم كان في أوغندا.

ويبدو ان هذا الطرح كان يحمل مكسبا رابعا للانجليز وأوروبا الا وهو نقل مشاكل اليهود الي ابعد نقطة ممكنة.

كادت الامور ان تسير في اتجاه أوغندا لولا تدخل اليهود الروس ويهود شرق أوروبا وعلى الرغم من انهم مصنفون يهود خزر وليسوا من الاسباط الأثني عشر لكنهم كانوا الأكثر تطرفا وعصبية في موضوع الدولة اليهودية "ملكيين اكثر من الملك".

فجعلوها دولة ذات صبغة وهوية دينية لا سياسية ومن هنا جاءت فكرة الهوية اليهودية وتمسك يهود روسيا وشرق أوروبا بفكرة الوطن القومي لكن في فلسطين لا غيرها .

وكانوا اول من هاجر الي فلسطين وأقاموا مجتمعات زراعية منفصلة حرموا على المسلمين والمسيحيين أو حتي يهود العرب دخولها وانتهجوا فكرة التطور المنفصل، الذي لا تزال الدولة الإسرائيلية قائمة عليه حتى اليوم.

لقد حاول اليهود الروس تطبيق فكرة القوميات الأوروبية علي فلسطين وهي فكرة تبدو نظريا ممكنة ولكن على الأرض الواقع مستحيلة، فمثلا القومية الالمانية تجمعها لغة وعادات وتقاليد وكذلك القومية البولندية وغيرها .

وهو ماسبب النجاح لفكرة القوميات الأوروبية اما اليهود فلم تجمعهم عادات ولاتقاليد ولاتاريخ ولاحتى لغة ليس بينهم الا دين المفروض انهم يعتقدون فيه ولكن حتى هذا الرباط لم يكن متين فجلهم علماني ولكن لم يكن هناك غيره رباط .

يبدو أن اليهود الروس لم يكونوا في احسن حال فكانوا الأسرع في الهجرة والأكثر تأثرا بدعوة هرتزل وهم من حولوها من فكرة سياسية لفكرة دينية ، وهم بذلك كانوا الأكثر قربا لادبيات البروتستانت على الرغم من اختلاف فكرة العودة البروتستانتية عن الفكرة اليهودية حيث تحمل كلمة “العودة” في التقليد اليهودي تفسير مختلف تمامًا “فهي جزء من إعادة تنظيم العالم، وليست قراربالانتقال إلى فلسطين ” لذا رفض معظم اليهود في بداية القرن العشرين فكرة الصهيونية الغريبة عن الوعي اليهودي، التي لم تظهر في الأوساط البروتستانتية فحسب بل تم الترويج لها من الملحدين من ذوي الأصول اليهودية وهو ما نلحظه حيث انه في الوقت الذي نشطت فيه حركة هجرة اليهود من شرق أوروبا الي فلسطين تحت مسميات الهوية اليهودية والقومية اليهودية لم يهاجر اليهود العرب فلم يتقبلوا فكرة الدولة ذات الهوية الدينية ولم تكن قائمة قبل ذلك في تاريخهم المعروف على عكس الدول الإسلامية أو الإمبراطورية الرومانية.

كما أن يهود العرب كان الأكثرية منهم تجار أو ممتهني مهن ذات طابع اجتماعي وهو ما يتطلب ان تكون حياتهم منفتحة على الناس لامنغلقة بنظام اليهود الروس في المستعمرات .

إن قوام التواجد اليهودي طوال التاريخ معتمد على النفعية لا الانعزال والتصادم حتى انهم كانوا من الممكن أن يغذوا صراعات الآخرين مع بعضهم البعض دون أن يشارك اليهود في تلك الصراعات ويستفيد اليهود من تغذية تلك الصراعات على كافة المستويات.

أما أن يكون اليهود طرفا في صراع فهو أمر جديد على العقلية اليهودية، وهو الأمر الذي رفضه كثير من حاخامات اليهود في الشرق، فقد وعوا أن أهداف الصهيونية في خلق عرقية معينة، أو شعب، أو طائفة من المجتمع الروحي لليهود، في دولة واحدة يتعارض مع التوجه الديني لليهود طوال آلاف السنين.

لذا فقد انفصلت الصهيونية عن اليهودية بل واحتقرتها وحاول الصهاينة غرس مفاهيم تخدم فكرتهم القائمة علي تكريس الهوية الدينية بشكلها المتطرف عن طريق ايجاد لغة مشتركة بين المهاجرين واستدعاء لغة ميتة "العبرية "لإيجاد روابط مشتركة والسيطرة الاقتصادية والسياسية ليس على فلسطين فحسب بل على جوارها العربي .

الأراضي العربية النظرة الدينية