صناعة الخالق أم صناعة المخلوق؟

صدر التقرير السنوى لعام 2022 لأكثر الشعوب سعادة علي وجة الكرة الأرضية.

و جاء فى المركز الأول و للسنة الخامسة علي التوالي الشعب الفنلندى. تم عمل هذا التقرير بناءا علي توجية أسئلة علي شعوب 156 دولة علي مقياس من صفر إلي عشر لتقييم حياتهم. صفر يعني سئ للغاية و عدم رضا نهائي و عشرة تعني رضاء تام و أقصي سعادة.

و اخذت الدراسة عوامل أخرى فى التقييم كالتكافل الاجتماعي و متوسط الأعمار المتوقعة و الكرم و غياب الفساد.

و استخلصت الدراسة أن هناك ثلاث عوامل رئيسية هي التي جعلت الشعب الفنلندى هو الأسعد بين كل الشعوب.

لن أسهب كثيرا فى عرض تلك العوامل الثلاث و لكنني سأتناولهم بايجاز.

العامل الأول لا تنظر كثيرا إلي من حولك. ضع معاير سعادتك بنفسك لنفسك. لأن ما يسعدك ليس بالضرورى يسعد غيرك. و العكس بالعكس صحيح.

العامل الثاني استمتع بما صنعة الخالق لا بما صنعة المخلوق. استمتع بالطبيعه الإلهية الخلابة من شمس و بحر و خضرة و سماء صافية. فالمخلوق لن يقترب واحد علي مليون فى صناعتة من صناعة و ابداع خالق الكون.

العامل الثالث لابد ان تشيع مناخ من الثقة و الاحترام و الكياسة فى كل محيطك. لا تهمل أبسط الاشياء نحو ذلك الهدف كأن تفتح الباب لشخص غريب فى مكان عام. بناء جسور من الثقة و الامان و الاحترام مع كل المحيطين يشيع البهجة فى النفوس و المحبة المتبادلة بين الناس.

و المتأمل لواقعنا المأزوم يجد اننا وجهنا تركيزنا فى اتجاة واحد و هو اتجاة ما صنعة الإنسان لا ما صنعة الخالق العظيم.

توجهنا نحو المقتنيات. توجهنا نحو المساكن الفاخرة و السيارات و الفيلل و موضة الكمبوندات و الملابس البراندات و الخروجات و السهرات باهظة التكاليف.

تكالبنا جميعا إلا القليلين نحو المنظرة والاستعراض و النظر و التمعن في حياة الاخرين فجعلنا أنفسنا نعيش فى دائرة مغلقة من اللهث أفقدتنا القدرة علي الاستمتاع.

و ما ذكرتة ليس فقط للطبقة الغنية و أعلي شرائح الطبقة المتوسطة و لكنها موجودة فى الطبقات الفقيرة أيضا حيث أسمع عجب العجاب عن متطلبات زواج فتاة لشاب مثل عدد معين يتجاوز العشرين مثلا من الملايات و البطاطين و خلافة. هذا فقط فى بند واحد من مقتنيات المنزل فبالله عليكم ماذا يفعل شخصين بهذا العدد من البطاطين و الملايات سوى المنظرة و التباهي علي من حولهم؟

آفة المنظرة أصبحت للأسف متأصلة فى نفوس الغالبية العظمي من هذا الشعب و كل طبقة بمقدار تطلعها لمن حولهم. و هذا بدون أدني نقاش تبعات انفتاح السداح المداح.

أهملنا نظافة و أناقة شوارعنا لأننا أصبحنا منكبين علي ذاتنا فقط لا لشئ سوى مقارنة انفسنا بالآخرين. لم نعد نكترث كثيرا بمستوى الضوضاء و العشوائية فى كل اماكننا العامة لأننا فقط أصبحا متمحورين علي الذات لتتميز فقط علي من حولها كما لو اننا دخلنا فقط فى حالة صراع لا نهائي مع الآخرين لا لنستمتع بما منحنا اياة خالق الكون.

ما لم نعد إلي الاستمتاع بالطبيعة الإلهية و نرمي انفسنا فى أحضان صناعة الخالق و نكف عن السعي المحموم نحو اقتناء كل ما هو صناعة الإنسان و مالم نقف مع أنفسنا وقفة جادة لعدم المقارنة الدائمة بمن حولنا و نرضي عن ما منحنا الله إياة و نضع معاير سعادتنا لأنفسنا من خلال ذاتنا لا من خلال الاخرين و ما يفعلون سنظل فى حالة عدم رضا و سخط و تمرد و سنظل فى حالة من اللهث اللانهائي نحارب طواحين الهواء التي صنعناها بأنفسنا لتفسد علينا حياتنا من بدايتها إلي نهايتها.