الأزهر: "الصلاة من أجل الإنسانية" إعلان إنابة إلى الله ودعوة للتعايش
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإليكترونية، أنه في الوقت الذي يعيش العالم أزمةً حقيقيَّة منذ ظهور جائحة كُورونا، وبسبب انتشار هذا الفيروس، اتخذت دول العالم إجراءات احترازية للوقاية منه، والحدِّ من انتشاره، وطولب النّاس بالبقاء في منازلهم في حَجرٍ طال زمنه؛ بينما سعى قادة العالم وحكماؤه وعلماؤه ومثقفوه سعيًا دؤوبًا باحثين عن سببٍ لرفع هذا الوباء، ولا شكَّ هي أمورٌ جاء بها الدِّين وحثَّ عليها، فالأخذ بالأسباب العلميَّة والطبية الحديثة والبحث عن لقاح أو دواء لهذه الجائحة ضرورة حث عليها الإسلام وأمر بها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن سيِّدنا رسول الله ﷺ قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ» [أخرجه ابن ماجة وأحمد وغيرهما].
وأضاف: مما لا شكَّ فيه أنَّ اللجوء إلى الخالق جلَّ جلاله لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب العلمية الحديثة في مثل هذه الأزمات؛ فبالتوكّل على الله والإنابة إليه، ثمّ الأخذ بالأسباب العلمية والوسائل الحديثة، نسلك أسرع الطُّرقِ للخلاص من هذه الجائحة، ورفعها عن النّاس.
وبين أنّ الصلاة وما فيها من دعاء هي الصِّلة الأقوى بين العِباد وخالِقهم سبحانه، وقَدْ حثَّنا المولى سبحانه على اللجوء إليه في قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62-62]؛ فالصلاة وما تشمله من ألوان التضرُّع إلى الله سبحانه، شريعة جميع الأنبياء والمرسلين الذين قال الله سبحانه فيهم: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73].
ولفت إلى أن الصلاة سببٌ للإعانة والصبر وسعة الرزق، قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، وقال أيضًا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132]، وإعلان إنابة إلى الله سُبحانه، وأوبةٌ واستغفارٌ، وهي لغةً تعني: الدعاء، والله سبحانه يقول: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} [الأنفال: 33].
ويقول: {وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} [هود: 52].
ويقول أيضًا: {فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61].
وأوضح من هدي سيِّدنا رسول الله ﷺ استمطار رحمات الله بالدَّعوات، واستدفاع البلايا بصدق المُنَاجاة، وتوثيق الصِّلة بالله سُبحانه؛ طلبًا لمعونته ومعيَّته؛ حتى رُوِي أنَّه ﷺ كانَ «إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّىٰ» [أخرجه أبو داود]، فالصلاة صلة ودعاء.
وفي الحضِّ على ديمومة الدُّعاء قال ﷺ لأمَّته: «إنَّ الدُّعَاءَ هو العِبَادَةُ، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...} [غافر:60]» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].
فالله سبحانه رحيم كريم قادر؛ يحبُّ عباده ويحب هدايتهم، ولا ينزل بهم البلاء إلا ليزدادوا منه قُربًا، وتزداد أُخوَّتهم وإحسانهم بعضهم لبعض.
ومُتأمل واقع النَّاس في ظلِّ جائحة كورونا يرى بعض المعاني المُهمَّة والمُلهِمة، والتي منها، إدراك ضرورة التَّكاتف والتَّضامن وقت الأزمات؛ لتجاوزها والانتصار عليها؛ تحقيقًا لقول الحقِّ سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
ولأنَّ رعاية الضَّعيف والفقير سبب لرفع البلاء كما قال ﷺ: «وهل تُنصَرُونَ وتُرزَقُونَ إلّا بِضُعَفَائِكُم» [أخرجه البخاري]، وسببٌ كذلك لنَيْل رضا الله سُبحانه، وتنزُّل رحماته؛ قال ﷺ: «صنائِعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السُّوءِ، والصدَقةُ خِفْيًا تُطفِيءُ غضبَ الرَّبِّ» [أخرجه الطَّبراني].
وإدراك أن الناس أمام البلاء سواءٌ، كلهم يحتاجون لدعم إنساني؛ نفسي وحسي؛ الأمر الذي يُعزز من قِيم تسامحهم وتعايشهم وأخوتهم، دون بناء حواجز بينهم على أساس دينٍ أو عرقٍ أو لونٍ أو لغةٍ، فكل بني آدم مُكرَّمون، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..} [الإسراء: 70]، وكلهم إخوة، كما قال ﷺ: «والنَّاسُ بنُو آدَم، وآدَم مِن تُرَابٍ» [أخرجه أحمد].
وأنَّ السَّلام هو خير نعمة، وأجلُّ قيمة يمكن أن يعيش في ظلالها العباد، ويكفي لبيان منزلته أنه اسم من أسماء الله الخالق سُبحانه، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ...} [الحشر: 23].
وقد كان في تحديد يوم (الخميس 21 رمضان الموافق 14 من شهر مايو الجاري) للتَّواصي بالدُّعاء لرفع الوباء؛ إحياءٌ لهذه المعاني، ورجاءٌ في الله سبحانه أن يَقسم لعباده من رحمَتِه ورِضَاه، وأن يجود عليهم بعافيةٍ ومُعافاة، وتفعيلٌ لدور الدِّين في نشر السَّلام في مختلف بلدان العالم.
وأشار إلى أن دعوة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر، للصلاة من أجل الإنسانية وتحديد يومٍ لها؛ دعوةٌ تحمل مشاعل نورٍ للبشرية، وطريقٌ إلى السَّلام العام والوحدة والإخاء، وتفعيلٌ لوثيقة الأخوّة الإنسانية التي احتضنت فعالياتها أرضُ دولة الإمارات العربية المُتَّحدة؛ استمرارًا لمساعيها ومبادراتها في إرساء قيم العدل والتَّسامح والتَّعايش بين بني البشر على مُختَلف أعراقهم وأديانهم، وتفعيلًا للمبدأ الإنساني العام للتعايش والسلام والتّعارف كما ورد في قول الحقِّ سبحانه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
واختتم قائلًا: يُمكننا أن نجعل من يوم «الصَّلاة من أجل الإنسانية» نقطة التقاءٍ وانطلاقٍ بين أبناء الإنسانية جميعًا، وبداية لعالَمٍ جديدٍ مُشرِق يَحيى بقيم العدالة والرَّحمة والسَّلام والأخوَّة، عالمٍ راقٍ لا يعرف للعنف أو الكراهية أو الإرهاب أيَّ معنى.